مواقف الأدباء من الحرب.. باب للردى أم عصر ذهبي؟

الحرب تصوب نحو كل مفردات الإنسانية أسلحتها الفتاكة. هي منتوج الإنسان في صورته البدائية، سارت معه منذ بدء الخليقة حين قتل قابيل أخاه، وتطورت أساليبها ومعداتها مع تطور التكنولوجيا، والغريب أنهم كثيراً ما يتحدثون عن( فنونها) فكيف للقتال بين البشر بما فيه من هتك دماء وكرامة الأبرياء أن يصبح مصدراً للتغني والتفاخر؟!

يبدو أن الحياة باختلاف الأقوام والجنسيات والأديان قد أنتجت تضاداً كبيراً في المصالح، وما وجدوا غير المواجهات الظالمة لملايين البشر سبيلاً. إنها القوة والغرور والجشع الذي يحترق في قلوب من يملكها، فلا يجد حلاً غير أن يحرق حيوات الآخرين الضعفاء، ولأن الحرب تلازم البشرية دائماً وفي كل مكان، فقد تصدى لموضوعها الكثير من الأدباء شرقاً وغرباً، فمنهم من عايشها، ومنهم من عانى ويلاتها، ومنهم من شارك في أحد جيوشها، وسوف نرصد في هذه العجالة آراء بعض الأدباء العرب والعالميين، وكيف نظروا إلى الحرب.

(الحكايات الخرافية) هي مجموعة قصصية للكاتب هرمان هسه كتبها بين عامي 1900 و1930 تطرح أفكاراً فلسفية. من أهمها قصة (إذا استمرت الحرب) التي تتحدث عن رجل يعود إلى الوطن بعد غياب عامين، فيجد أن الحرب مازالت مشتعلة، يؤخذ إلى السجن لتجوله في الشوارع دون إذن، وفي مكتب المحقق يسأل: لماذا يمارس العالم طاقة هائلة بهذه الطريقة؟ هذا الحرمان والقوانين والمكاتب والمسؤولون، ما هو الشيء الذي يحميه البشر؟ ولماذا ترفع من قيمة الحرب؟ يجيب الضابط : الحرب هي الشيء الوحيد الذي لانزال نملكه. المتعة والكسب الشخصي، الطموح الاجتماعي والجشع والحب والعمل الفكري كل هذا لم يعد يوجد. الحرب هي النشاط الوحيد والأوحد الذي نحن ممتنون له. لايزال يعطينا شيئاً مثل النظام والقانون والفكر والروح في العالم.

الشاعر اللبناني المهجري إيليا أبو ماضي جعل للشاعر رسالات عليه أن يؤديها في حياته، ومنها اتخاذه موقفاً إنسانياً مشرفاً من الحرب، فقد حمل على السياسة بشدة لأنها كثيرة الوجوه متلونة كالحرباء، ورأيه في الحرب والسلم رأي الحريص على الإنسانية. يقول في قصيدته (عطش الأرواح):

عجباً والحرب باب للردى.. وطريق لدمار وعفاء..

 كيف يهواها بنو الإنسان فهل.. كرهوا في هذه الدنيا البقاء

إنما شوقي إلى دنيا رضا.. وإلى عصر سلام وإخاء

الشاعر الإيطالي سلفاتور كواسيمودو الحائز على نوبل كان له موقف إنساني رافضاً للحرب، وفي قصيدته( جنود ينحبون ليلاً) يتناول الجندي، بصفته إنساناً أولاً، لديه طفولته الماضية الحاضرة الرغبات في هذه الأوقات الحرجة، ولديه الحنين للبكاء على صدر الأم، وكل المشاعر الفطرية والحاجة العميقة إلى إنهاء الحرب المهزلة لا تشفع لهم. هم أقوياء بقدر ضعفهم. والدوامة تكاد تودي بالجميع خاصة بهم وبالعشاق، يقول: لا الصليب، لا الطفولة، لا بلاء الجلجة.. لا الذاكرة الملائكية.. كفيلة باجتثاث جذر الحرب.. جنود ينحبون ليلاً.. قبل موتهم، أشداء يرتمون.. على أقدام الكلمات التي تعلموها.. تحت أسلحة الحياة.. أنت تقدم للعشاق والجنود.. سيولاً لا توصف من الدموع.

الشاعر الروسي دينيس دافيدوف (1784- 1839) أمضى سنوات طويلة في الجيش الروسي وشارك في الحرب ضد نابليون، وأصبح مثالاً يحتذى به في البطولة وقيادة الخيالة. وكتب الكثير من الأشعار والمذكرات، واستخدم في قصائده المصطلحات العسكرية والكثير من التعابير المأخوذة عن حياة جنود الخيالة. نلاحظ أنه يتخذ موقفاً مغايراً عن الأدباء سابقي الذكر، إذ يقول في قصيدته(أغنية): إني أحب المعركة.. تغرقها الدماء.. إذ إنني خلقت للخدمة في الجيش.. لسيف قد صقل.. للفودكا وللحصان الجامح.. بكل هذا أستطيع العيش.. عصري الذهبي.

العدد 1105 - 01/5/2024