الزواج عبر الإنترنت

مع انتشار تكنولوجيا المعلومات التي أحدثت انقلابا في الحياة المعاصرة ظهرت طرق زواج غير الطرق التقليدية المعروفة في مجتمعنا، أنه الزواج عبر الإنترنت، وهي ظاهرة أصبحت شائعة في المجتمع العربي، فالشباب يجدون في هذا الزواج كسراً لكل العادات والتقاليد، فرصة جديدة لاختيار شريك حياته بأنفسهم دون أن أي تدخل من الأهل.

 ومع انتشار هذا الزواج عبر الإنترنت وقف العديد من علماء الشريعة حائرين حيال موقف هذا النوع من الزواج.

فباتت الكثير من المسلمات محل مراجعة بسبب التغيرات الكبيرة التي أحدثتها هذه الطريقة في الزواج ومدى مطابقتها للقانون والأصول من جهة، للشرائع السماوية من جهة أخرى، فأصبحت هذه الطريقة هي البديل العصري للتعاقد التقليدي توفيراً للوقت والجهد والنفقات، وتتيح هذه الطريقة تبادل البيانات ونقل الملفات، وهذا ما يساعد على توثيق العقود للوقت، التعاقد عن طريق الإنترنت من حيث الأصل هو تعاقد بين حاضرين من حيث الزمن وغائبين من حيث المكان ولهذا التعاقد عدة طرق منها عبر الويب أو الإيميل هو التعاقد عبر المحادثة والمشاهدة، فهذا التعاقد مشروع لا خلاف فيه  بالنسبة للعقود العادية، ولكن الإشكالية تتعلق بقعد الزواج نظراً لقدسيته وأهميته، وما يترتب عليه من أثار ذات أهمية يجب عدم الاستهانة ب،ها وخاصة الأطفال، فهو أعظم أشكال الارتباط الإنساني.

أكد الدستور السوري على حماية وأهمية الزواج في المادة 44 منه فقرة 2 (تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه). والزواج كما عرّفه قانون الأحوال الشخصية (هو عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل).

وقد جاء التعريف شاملاً جامعاً للهدف الأسمى من الزواج ومقاصده، وذلك أن الأصل في صيغ عقود الزواج الألفاظ، لكن قد يضطر الإنسان إلى غيرها كالكتابة نتيجة لظرف معين، وقانون الأحوال الشخصية لم يذكر في مواده عن صحة الزواج عبر الإنترنت وانا أرجع إلى الرأي الراجح في المذهب الحنفي، بحسب المادة 305 منه أي بجواز انعقاد الزواج بالكتابة.

وإذ تطورت الكتابة فأصبح من أشكالها الكتابة بواسطة الإنترنت لإجراء المعاملات الإلكترونية وهو ما عرفته المادة الأولى من القانون رقم 3 لعام 2014 بأن المعاملات الإلكترونية (إجراء أو جملة إجراءات تجري بين طرفين أو اكثر لها طابع مدني أو تجاري أو إداري)، وبما أن عقد الزواج من العقود المدنية فإننا نجد المادة 93 من القانون المدني نصت على ن التعبير عن الإرادة يكون باللفظ  وبالكتابة وبالإشارة المتداولة عرفا لما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود، وأيضاً نجد في قانون المعاملات الإلكترونية المادة 4 منه (تعد الوسائل الإلكترونية  طريقة مقبولة للتعبير عن الإرادة لإبداء الإيجاب والقبول بقصد إنشاء التزام أو تعديله أو نقله أو إلغائه) وبالتالي يعتبر التعبير عن الإرادة عبر سكايب أو عبر الرسائل الإلكترونية أو البريد الإلكتروني جائزة شرعاً.

فعقد الزواج له أركان وشروط يجب أن يحققها كبقية العقود، فله صفته المدنية لجهة شرائط الانعقاد والصحة واللزوم، بحيث إذا تخلف أحدها أصبح العقد لاغياً، ولم يعد له أثر ويسمى العقد الباطل.

فقد نصت المادة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية على: (ينعقد الزواج بإيجاب من أحد العاقدين وقبول من الآخر، وحددت هذا الإيجاب والقبول أن يكون بالألفاظ التي تفيد معناه لغة أو عرفاً).

وفي المادة السابعة منه أوجب القانون الكتابة بالإيجاب والقبول إذا كان أحد الطرفين غائباً عن مجلس العقد، ثم أجاز التوكيل في عقود الزواج، وأجاز أيضاً في حال عجز أحد الأطراف عن النطق بالإيجاب والقبول بالإشارة الواضحة أو الكتابة، واشترط موافقة القبول بالإيجاب وانعقاد مجلس الإيجاب والقبول وسماع كل من العاقدين كلام الآخر وفهم المقصود منه، وهو الزواج، وأن لا يوجد من أحد الطرفين قبل القبول ما يبطل الإيجاب.

فالمشكلة المفترضة التي تطرحها قضية الزواج عبر الإنترنت هي مدى صحة انعقاد العقد لغياب الحضور المادي للمتعاقدين، وكيفية التعرف على بيانات الطرفين، وصحة ما تنسب إليه هذه التقنية من أقوال وتصرفات، وكيفية إثبات هذا النوع من العقود، أي إثبات توجيه رسالة القبول بالفعل المتضمنة التعبير عن الإرادة وتحديد القانون الواجب تطبيق على العقد والمحكمة المختصة

أصبح الزواج عبر الإنترنت من المسلمات، ولما له أثر على استقرار الأسرة والمجتمع، فلا بد من إعادة النظر في التشريعات الخاصة في الأحوال الشخصية، وإدخال نصوص ناظمة لمثل هذه العقود في تشريعاتنا.

وذلك بإباحة هذا النوع من التعاقد إذا كان مستوفياً الشروط الشرعية أو منعه إذا كان مخالفاً، والاستفادة من نصوص قانون المعاملات الإلكترونية، وتفعيل ما يعرف الحكومة الإلكترونية، وحث الباحثين المختصين في علوم التكنولوجيا لإيجاد طرق للتحقق من هوية المتعاقدين، وشرح تقنية الإنترنت عبر وسائل الإعلام والمشاكل التي تنجم عنها، والتوعية بخصوص هذه التقنية (نحن كالعادة لا نفكر إلا بعد مضي سنوات على حدوث المستجدات).

العدد 1105 - 01/5/2024