كل عام وحصن الفكر والثقافة أبهى!

مع إطلالة العام الجديد نتوجه إلى قراء جريدة (النور) الأعزاء بأحر التهاني بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، كما نشكر كل من ساهم معنا في تحبير صفحاتها، بأفكاره وآرائه وإبداعه آملين من الجميع مزيداً من التعاون المثمر البناء لما فيه خير الوطن ومصلحة أبنائه، وتعزيز مفهوم الثقافة الوطنية.

إننا نهيب بأصحاب الأقلام الحرة النزيهة مشاركتنا في عملية ترسيخ الثقافة الوطنية وتعزيزها، والتصدي للثقافة المعادية لتطلعات الشعوب وحقوقها، في السيادة والحرية والعدالة الاجتماعية.

بالرغم من كل الصعوبات الخانقة التي مر بها الوطن واصلت جريدة (النور) صدورها دون توقف وحافظت على خطها الوطني المتزن والمتوازن، وعملت على ترسيخ مفاهيم الحوار والتنوع وحق الاختلاف ونشر الفكر المستنير والاستفادة مما في تراثنا من كنوز، في عملية انفتاح وتفاعل خلاق مع ما أنجزه الفكر والثقافة والأدب العالمي، متحررين من شعور الاستعلاء أو الإحساس بالنقص والدونية المعرفية.

بهذه المناسبة نجدد دعوتنا إلى الجميع لإبداء آرائهم بما نقدمه على صفحتي الثقافة والرأي، بكل صراحة وشفافية، لأننا نعتبر النقد الموجه إلينا ما هو إلا مساهمة في تطوير عملنا، وإضافة نوعية فاعلة إلى محاولتنا العمل مع كل المخلصين لتقديم ثقافة جادة تواجه الفكر الظلامي وتقاوم الإرهاب المادي والمعنوي، وتعمل على تعرية منابعه وكل ما يصدر عنه، معتبرين أن المواجهة التي تخوضها سورية ليست عسكرية فقط، وإنما هي مواجهة معرفية ثقافية حضارية، يحاول فيها أعداء الحضارة والتقدم الإجهاز على ما تم بناؤه في بلدنا، على طريق تأسيس الدولة الوطنية، القائمة على محاور: وحدة الوطن، وحماية النسيج الاجتماعي، وصيانة المؤسسات.

عملنا وسنعمل على تشجيع كل ما يخدم قضايا شعبنا وحقوقه، في السيادة الوطنية، وحرية خياراته، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وسيادة القانون، الحارس لأمن المواطنين وكرامتهم، بتأصيل ثقافة المواطنة، والعقلانية، والابتعاد عن سيطرة الغرائز، وتجاوز الانتماءات الضيقة.

لا يمكن لنا مواجهة التخلف إلا بالعلم، والظلامية إلا بالاستفادة من منجزات الحضارات الإنسانية، والهيمنة والتسلط إلا بالتحرر والعدالة، والإقصاء والإلغاء إلا بالمشاركة التفاعلية، القائمة على مبدأ العدالة، والابتعاد عن مفاهيم الأكثر والأقل، الأقوى والأضعف، في حوار يعترف بإمكانية الخطأ، ويمتلك أصحابه الجرأة على مواجهة أخطائهم وتصحيحها.

إن الوطن (الثقافة الوطنية) بحاجة إلى نتاج عقول الجميع، من الأوفياء والمخلصين العاملين في جميع الحقول المنتجة للمعرفة، ودون فكر نقدي مزدوج مترفع عن الصغائر، يغوص في جوهر الظواهر، بعيداً عن التسطيح والتبسيط، لا يمكن لنا هزيمة المشروع المعلن والمضمر، والمراد منه تمزيق وحدة الوطن، وتشويه ثقافة أبنائه، بإشاعة ثقافة الموت، والاستسلام، واليأس، والتخاذل، والفساد، والإفساد.

لا يتحقق ذلك إلا بتجسيد مفاهيم المقاومة، والانتماء، والحوار، والتشاركية.

على عتبات العام الجديد، كلنا ثقة بأن بلدنا، بما يمتلك من إرث حضاري وتعدد اجتماعي، وثقافي، وفكري، قادر بتضافر جميع فئاته وكتابه ومفكريه ومبدعيه، على تجاوز المحنة، التي بدأت تباشير انجلائها تلوح في الأفق بتوافق دولي وإقليمي على حل سياسي للمعضلة السورية. وإن الحلول الأخرى، التي لا تتوافق مع رغبات السوريين وطموحاتهم مصيرها الفشل.

المواجهة ليست عسكرية فقط، حتى وإن بدت أحياناً كذلك، وإنما هي ثقافية فكرية، اجتماعية، سياسية، اقتصادية، مركبة، فحملة السلاح من الإرهابيين، يستندون إلى مرجعيات تبيح القتل والإجرام، وعلينا تعرية هذه المرجعيات وتأكيد بطلان الفتاوى المحرضة والداعية إليها، وهذا يستدعي من كل التيارات المستنيرة بذل المزيد من الجهود، لكشف التضليل ومواجهة الوعي الزائف، الذي يقف خلف كل الموبقات ويعمل على إعادة إنتاجها بصياغات مزوقة.

من على منبر النور الثقافي والفكري، مرة أخرى ندعو ونهيب بكل الوطنيين والتقدميين التعاون معنا، من أجل صياغة مشروع يعزز الثقافة الوطنية، ويعلي من مكانة الدولة، ويواجه الإرهاب بكل أشكاله، ويعمل على صيانة الوطن، أرضاً وشعباً، ويحرص على كرامة المواطنين وتلبية احتياجاتهم، ونحن على استعداد لبذل ما نستطيع من جهود، للمشاركة في صياغة مشروع يبرز تنوع الإيقاع الثقافي وغناه في الدوريات السورية، بالتعاون مع كل المؤسسات المعنية، بشؤون الثقافة والفكر في بلدنا، لأننا نعتبر أنفسنا جزءاً من هذا التكوين، ونتحمل المسؤولية عنه بمقدار ما أتيح لنا من إمكانيات المشاركة التي نسعى إلى توسيعها، للمساهمة في تعزيز الثقافة الوطنية، الضامنة لوحدة الوطن، من أجل بناء سورية المرجوة، القائمة على التعدد والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتشاركية العادلة.

العدد 1105 - 01/5/2024