الفساد يكبر مثل كرة الثلج..والبرهـــان مسابقــة السويداء!

يبدو أن استسهالنا لحجم الفساد الصغير الذي يتفشى في القطاع الإداري، وعدم إدراكنا لمخاطره ونتائجه، حمل في باطنه مآسي وظلماً للمواطن السوري، بشكل يجعله يكبر ككرة الثلج، ذلك لأنه يبدأ كدبيب نملة سوداء في ليلة ظلماء على مسح أسود، لا أحد يدرك بدايته، ولكنه يكبر ويزداد حتى يصبح جزءاً من منظومتنا اليومية.

قد يتساءل البعض: لماذا نقدم اليوم هذا الطرح ونحن نعيش الحوار الوطني، وهناك لجنة لمكافحة الفساد، بغرض القضاء عليه، بعد أن فتك بجسدنا؟

جرى الإعلان عن مسابقة ضمن برنامج تشغيل الخريجين الشباب لعام ،2012 ومثال مركز البحوث العلمية الزراعية بالسويداء يقدم الجواب.. فقد خصص هذا المركز 68 فرصة عمل، ولكثرة اتصالات المتقدمين بنا، ذهبنا إلى مركز البحوث العلمية الزراعية بالسويداء، للإجابة عن سؤال راودنا حول من وضع معيار القبول. جاءنا جواب إدارة المركز أنه كان مغيباً، وأعلن ذلك صراحة، أنه لم يحضر ولم يشارك بوضع المعيار، والذي يفترض أن تكون الجهة واضعة المعيار لقبول الشخص المناسب في العمل بمجال البحوث الزراعية هو مركز البحوث العلمية الزراعية بالسويداء نفسه. لكنه غُيّب عن الحضور أو المشاركة في وضع المعيار، واكتفُي بأن تضع المحافظة تلك المعايير التي أحالت الموضوع أيضاً إلى قسم الامتحانات في مديرية التربية، واضعة الأسئلة لامتحانات الشهادات الإعدادية والثانوية، لا للمهندسين والفنيين الزراعيين. كذلك بالنسبة إلى مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل وغيرها من الدوائر الطالبة لفرص العمل. وما ينطبق على البحوث الزراعية والشؤون الاجتماعية والعمل ينطبق على الدوائر التي أعلنت عن هذه المسابقة.

توجهنا إلى مدير فرع الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات المهندس سليمان الخطيب الذي أوضح لنا ما يلي: اقتصر دور الهيئة على الإشراف، لذلك أرسلت مذكرة إلى السيد المدير العام لهيئة التشغيل وتنمية المشروعات برقم 260/ ص تاريخ 9/12/2012 مفادها بيان المقترحات بعد زيارتنا لجميع مراكز الاختبار، فقد رأينا أن الفترة الزمنية بين إعلان أسماء المقبولين للاختبار الخميس 29/11/2012 وبداية الاختبار يوم الأحد 2/12/2012 قصيرة جداً، وخاصة أنه يتخللها عطلة الأسبوع الجمعة والسبت. واقتصر التبليغ على وسائل الإعلام. كذلك اقترحنا البدء بتنفيذ خطة عام 2013 في وقت مبكر عما كانت عليه عام ،2012 وتمثيل فرع الهيئة في جميع اللجان لخطة عام ،2013 وألا يقتصر دور الهيئة على متابعة التنفيذ. كذلك تمثيل الجهات المشاركة لخطة عام 2013 في لجان الاختبار، وخاصة لجان المقابلة لوضع الأسئلة الخاصة بها، إذ إنها لم تتمثل في عام 2012.

وأضاف المهندس سليمان الخطيب بالقول: خاطبنا الإدارة العامة بدمشق بكتابنا رقم 251/ ص تاريخ 29/11/2012 بالإجراءات التي اتخذتها مختلف الجهات العامة المشاركة في برنامج تشغيل الخريجين الشباب. فقد قام فرع الهيئة بالتواصل مع الجهات المشاركة التي أعلنت عن فرص العمل وفق الخطة. وقد زُوّد فرع هيئة التشغيل بصورة عن الإعلان، ولحظت مجموعة الملاحظات التالية:

– أعلنت الشركة السورية لتصنيع العنب بالسويداء حاجتها إلى اثنين من حملة التعليم الأساسي، وهي غير واردة بالخطة. بينما كانت خطة مديرية الصناعة بالسويداء اثنين من حملة التعليم الأساسي لم يصدر الإعلان الخاص بها.

– أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية عن حاجة مديرية التجارة الخارجية بالسويداء، وفق خطتها المقررة، ولكن بزيادة واحدة من حملة التعليم الأساسي، بينما كانت خطة المؤسسة العامة للتجارة الخارجية واحد من حملة التعليم الأساسي بالسويداء لم يصدر الإعلان الخاص بها.

– خطة وزارة الدولة لشؤون المصالحة الوطنية بالسويداء واحد من حملة الشهادة الجامعية، وبسؤال الأمانة العامة للمحافظة السويداء تبين أنه لا يوجد لها مقر ولم يصدر الإعلان الخاص بها.

– كما طلبت مديرية الصحة ومديرية الثقافة من المتقدمين إرفاق وثيقة غير مشمول في التأمينات الاجتماعية ووثيقة غير محكوم، مع الإشارة إلى أن هاتين الوثيقتين غير مطلوبتين أثناء التقديم.

 مديرية التربية السويداء أوضحت أن دورها اقتصر على إجراء الامتحانات ومراقبتها، وقد استعانت بمختصين لوضع الأسئلة لإجراء الاختبارات اللازمة.

حملنا تلك الأسئلة والاستفسارات إلى الأستاذ وسيم عز الدين، أمين سر محافظة السويداء، الذي أوضح بالقول: كلف السيد محافظ السويداء مديرية تربية السويداء بتشكيل لجان من الموجهين الاختصاصيين من مديرية التربية، مهمتها وضع الأسئلة وتصحيحها وتدقيقها وتحديد مراكز  الاختبارات وإعلان النتائج، وذلك بالنسبة إلى الوزارات التي فُوّض المحافظون بصلاحياتها، وهي: الإدارة المحلية، الثقافة، الشؤون الاجتماعية والعمل، ومؤخراً الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية وهيئة تنمية البادية، والشؤون المدنية.

لعل السؤال الأهم: كيف استطاعت المحافظة العمل على اتخاذ تدابير إجراء المسابقة ابتداءً من النصف الثاني شهر كانون الأول مع النتائج وتوقيع التعاقد وإعطاء المباشرة للناجحين خلال أقل من خمسة عشر يوماً..  كذلك سؤال للوزارات التي أجرت مسابقاتها مركزياً: كيف اختبرت المتسابقين من المناطق الساخنة، ونحن نعلم مخاطر السفر هذه الأيام؟

والمقترح لو قيض لرئاسة مجلس الوزراء إقامة المسابقة مع بداية العام والإعلان عنها وإجراء المسابقة في وقت واسع، خاصة أن الاعتمادات مرصودة لذلك من جهة، ثانياً: لو قسم برنامج تشغيل الشباب بين الإناث والذكور، بحيث يُحدّد عدد معين لكل منهما، فمثلاً من 25 ألف فرصة عمل: 15 ألف فرصة للذكور، و10 آلاف للإناث حصراً، وبالتالي نكون حققنا فرص عمل لكلا الجنسين، بدلاً من تقدم آلاف الإناث والشباب معاً.

وصرح أكثر من عشرين طالب عمل من المتقدمين إلى المسابقة قائلين: لقد استبشرنا خيراً ببرنامج الحكومة لتشغيل الشباب، الذي أعلنت عنه مؤخراً، وخاصة للخريجين الشباب، لكنَّ الحظ لم يحالفنا. وعدنا بخفي حنين إلى مكتب التشغيل من جديد (وهات حتى يأتي دورنا.. وندبر واسطة جديدة.. لماذا؟ لأن الحظ فقط مع أصحاب الشأن الذين يريدون أن يعمل أولادهم وأقاربهم فقط.

وثمة أسئلة أهمها: هل نحن في وطننا محرومون من حقنا في العمل من أجل لقمة العيش، وتأمين حياة كريمة؟

على الرغم من أن خطة التشغيل كانت عام 2011 هي 10 آلاف فرصة عمل، وحصة السويداء منها 232 فرصة عمل، أي بنسبة 32,2%، وخطة عام 2012 بلغت 25 ألف فرصة، حصة السويداء منها ،415 أي بنسبة 66,1%.. لماذا؟

وكيف استطاعت الحكومة تأمين تلك الفرص خلال عامين؟

الشباب اليوم وغداً لا يريدون سوى العمل والسكن والعيش الكريم والشعور بالانتماء إلى الوطن الجميل. وتحقيق المواطنة للجميع بعيداً عن الوساطة والمحسوبية. أما الفساد الصغير فيكبر أكثر وأكثر ليصبح (شخصية اعتبارية).

هذه الأسئلة وغيرها نضعها في ذمة أصحاب القرار!

العدد 1104 - 24/4/2024