قبل أن يصبح لها سوق سوداء.. أزمة البنزين مازالت مستمرة وعدم التحرك لمعالجتها سيضاعف آثارها

طوابير جديدة من نوعها نشهدها يومياً على مداخل محطات الوقود، وقد أعتدنا سابقاً أن نرى طوابير وسائل النقل العاملة على المازوت إضافة إلى طوابير المواطنين مصطحبين معهم (الكالونات)، أما حالياً فإننا نشهد طوابير جديدة أضيفت إلى طوابير المازوت، وهي طوابير المركبات العاملة على البنزين. فلا تخلو محطة وقود في دمشق أو ريفها من طوابير وسائل النقل العاملة على البنزين والتي أخذت تطول كثيراً، إضافة إلى طوابير المازوت. وبلغت في بعض المناطق أكثر من كليومتر منتظرة لساعات طويلة، وربما لأيام، لكي تحصل على مادة البنزين، وبالطبع فرغ الكثير من الشوارع من المركبات وأصبحت السيارات المركونة على جانبي الطريق أكثر من السائرة فيه، وفي الوقت نفسه زاد الازدحام على محطات الوقود.

أما من حيث المبررات الحكومية فإن التصريحات الرسمية التي أدلت بها شركة المحروقات لم تكن غائبة بل كانت حاضرة، إذ بررت الشركة على لسان مديرها ناظم خداج، وفق ما نشر في الكثير من المواقع والوسائل الإعلامية، أنه لا يوجد أزمة بنزين وأن المادة متوفرة بكثرة، وأن الصقيع المشكل على الطرقات أدى إلى صعوبة نقل المادة إلى المحطات، وأن أزمة البنزين ستشهد انفراجاً اليوم أو غداً أو بعد غدٍ، وهكذا حتى طالت الأزمة لمدة أسبوعين من الزمن دون أن نشهد انفراجاً لها. ووفق شركة المحروقات فإن الصقيع المتشكل على الطرقات سبب في حدوث أزمة البنزين، ولكن الكثير من الخبراء والمواطنين أيضاً وجدوا أن هذه الحجة غير كافية لاستمرار أزمة البنزين لأيام وفقدان المادة في المحطات، فالعاصفة الثلجية انقضى على رحيلها نحو الشهر، والصقيع على الطرقات قد يتشكل في ساعات الليل أو الساعات الأولى من الصباح، فماذا عن ساعات الظهيرة؟ ورأى بعض المواطنين أيضاً أن سورية تعرضت سابقاً لعواصف ثلجية أكثر شدة من العاصفة التي مرت مؤخرا، إلا أنها لم تسبب أزمة بنزين طويلة العمر كهذه التي حصلت، متسائلين: هل ستطول هذه الأزمة أم سنشهد انفراجاً حقيقياً لها في القريب العاجل؟

 

فقدان المادة زاد من البطالة المؤقتة..

ومع استمرار أزمة البنزين أخذت ظاهرة السرقة تتفشى كثيراً، إذ أخذ بعض ضعاف النفوس يسرقون مادة البنزين الموجودة في خزانات الوقود الخاصة بالسيارات وبيعها في السوق السوداء بأسعار مرتفعة تصل إلى 100 ليرة لليتر الواحد، فأزمة البنزين كان لها تأثير كبير على حركة الكثير من وسائل النقل والمواطنين، وخاصة أن نسبة ليست بقليلة من المركبات تعمل على البنزين، سواء التكاسي أو المركبات الأخرى من موزعين وبائعين وغيرهم. وبالطبع فإن عدم توفر البنزين في المحطات جعل من هذه المركبات تتوقف عن العمل، وبالتالي توقفت أعمال الكثير من أرباب الأسر وارتفع مؤشر البطالة المؤقتة. كما أن أزمة البنزين أثرت كثيراً على تعرفة النقل فأصبح المواطن يعد للألف قبل أن يؤشر لأي تكسي في حال أراد التنقل، وخاصة مع شح وسائل النقل العامة في دمشق وريفها.

إذاً أزمة البنزين لها آثار اقتصادية سلبية كثيرة، لا يمكن فصلها عن الآثار السلبية الكثيرة التي تمخضت عن أزمة المازوت. وإن استمرارها سيؤدي إلى مضاعفة هذه الآثار واحتقانها أكثر، لذا نأمل من الجهات المعنية وضع حد لهذه الأزمة قبل أن تتطاول ويصبح لهذه المادة سوق سوداء وأخرى نظامية، كما هو حال المازوت. ولا بد من التنبيه إلى القضية التي أثيرت في إحدى وسائل الإعلام، وهي قضية الإكرامية التي يتقاضاها سائق الصهريج الذي يقوم بنقل المادة (بنزين  مازوت) إلى المحطات، إذ يبلغ حجم هذه الإكرامية 150-200 ألف ليرة، وبالطبع في حال رفض صاحب المحطة دفع هذه الإكرامية لسائق الصهريج فإن الكمية ستذهب إلى محطة أخرى، أو إلى السوق السوداء. كما أن هذا الأمر من شأنه أن يرفع سعر المادة في المحطات، وبالتالي رفع سعرها على مختلف وسائل النقل، والمواطن هو المتحمل الوحيد لهذه التجارة والسمسرة. يشار إلى أن استهلاك سورية من البنزين يبلغ يومياً نحو 7 ملايين ليتر، أي نحو 5,2 مليار ليتر سنوياً. وحسب ما تشير البيانات الرسمية، فإن الإنتاج المحلي من مادة البنزين يغطي 70 %، من حاجة السوق المحلية. وكان مدير عام شركة المحروقات (سادكوب) ناظم خداج قد أكد في أحد تصريحاته أنه، بعيداً عن مسألة رفع سعر البنزين، فإن الأهم هو توافر المادة. فحالياً البنزين متوافر وبسعر أقل من دول الجوار، ففي لبنان يصل السعر إلى 65 ليرة، وفي تركيا 200 ليرة، وبالتالي السعر الحالي للبنزين ما زال ضمن الحدود الطبيعية.

العدد 1104 - 24/4/2024