ضبوا الشناتي لكن.. عودوا إلى الوطن!

عرض خلال شهر رمضان المبارك مسلسل بعنوان (ضبوا الشناتي) تدور أحداثه عن قصّة عائلة عاديّة تقطن سورية، تنازعها فكرة البقاء في الوطن، أو النزوح عنه، بسبب هول الحرب، وأصوات الرصاص والقنابل.

الرحيل، قرار تتّخذه العائلة في النهاية، ولكن للأسف رحلت من غير رجعة وغرقت كلها في البحر!

إن ترك الوطن ما هو إلا اقتلاعٌ قاسٍ وصعب ومؤلم من الجذور بسبب الظروف القاهرة بكل ما تحمل كلمة قهر من معنى. فهاهي: (قوارب الموت) تنقل المواطنين نحو حياة أفضل، وسمّيت كذلك لكثرة الحوادث التي تعترضها، قواربُ تعج بالمواطنين الهاربين من وطنهم. هي هجرة غير شرعية من وطن شرعي! فمهما قسا الوطن على أبنائه تبقى الهجرة غير الشرعية وحلم اللجوء الوردي مغامرةً قد يلقى فيها الإنسان حتفه بعيداً عن حضن الوطن الدافئ.

حاولت تلك العائلة السورية الرحيل عن الوطن وهجره جاعلةً الوطن من خلفها والبحر من أمامها، وحال هذه العائلة السورية كالكثير من العائلات غيرها، حيث قد يتجاوز عدد السوريين المهاجرين هجرة غير شرعية الأربعون ألفاً. تختلف طرق الهجرة غير الشرعية براً وبحراً وجواً، طرقٌ ملتوية عن القانون والوطن. وهي هجرة لها سوقها ومافياتها عبر العالم وسماسرتها، هي رحلة نحو المجهول في عباب البحر وأموجه بعيداً عن هياج الوطن وظروفه القاسية.

وما إن يصل المواطن إلى أرض اللجوء الوردية، إن وصل، حتى يبدأ بتسوية أوضاعه ويصبح لاجئاً شرعياً كامل حقوق اللجوء. علماً أنه لا يمكن القول إن من يبقى في الوطن هو على صواب ومن يتركه هو على خطأ، وفي المقلب الآخر ليس كل من بقي يحب وطنه ومن تركه ليس كذلك.

وأما عن قبول فكرة اللجوء غير الشرعي فينقسم المواطنون، فهناك من لا يقبلها على نفسه وأبنائه وكرامته الوطنية أن يترك وطنه الكريم ليصبح لاجئاً له رقم وحقوق. وآخر يجدها (طاقة فرج) وهدية من السماء بعيداً عن وطن لم يحفظ له دائماً كرامته وحقوقه الوطنية.

إن وطننا اليوم كالسفينة التي تتخبط في عرض البحار، وتعصف فيها الرياح من كل الجهات، وتكاد تودي بحياة كل من فيها. وعندها تعترض الجميع أسئلة كبيرة ومهمة ومصيرية: أيهما أهم الوطن أم المواطن؟ أيهما أختار؟ أن أبقى مواطناً ببلدي أم أصبح لاجئاً بعيداً عنه؟ الرحيل أم البقاء؟ هجرة شرعية أم غير شرعية؟ فوضى البقاء أم فوضى الرحيل؟ فالبقاء قرار والتزام والمغادرة قرار والتزام، ونترك الباب مفتوحاً للحرية الشخصية.

 وتبقى الخسارة الكبرى هي خسارة القدرات والإمكانات والخبرات الوطنية، ويبقى عزاؤنا الوحيد أن يتمسك الإنسان بهويته السورية أينما ذهب ويعمل ويبدع، أن يتمسك بإيمانه بنفسه كسوري وبموطنه لأننا خسرنا كثيراً، فلنحافظ على ما بقي لنا من إحساسنا بهويتنا السورية الوطنية أينما رحلنا وارتحلنا. ونحمل الوطن معنا أينما ذهبنا.

أما أملنا لكل سوري أن (يضب الشناتي) ويعود للوطن، ربما لن يعود عودة مادية ليعيش فيه، بل المهم أن يعود عودته المعنوية بكل ما فيه إلى وطنه عودة الابن الضال. فالوطن هو نحن وعلينا تحمل كامل المسؤولية تجاهه، وأن نكون كذلك القبطان الخبير والماهر الذي سينجح بإعادة السفينة إلى بر الأمان، فسفينة الوطن أمانة وإن لم يحافظ أبناؤه عليه سنغرق جميعاً مثلنا مثل تلك العائلة السورية.

العدد 1105 - 01/5/2024