في حكايات الهجرة… رحلة الموت بحثاً عن حياة!

(أما رحلة الموت التي خضناها فكانت القيامة بكامل معناها، ثلاثة أيام من الحشر في القارب إل؟ أن رأينا الموت) هكذا كتب (محمد -د)  أحد الشبان المهاجرين الذين حاولوا الوصول الى مكان آخر أكثر أماناً واستقراراً من بلده سورية، متحدثاً عن معاناته في رحلةٍ هي أشبه برحلات الموت التي كانت تكتب بالأساطير ويتحدثون عنها في البحث عن لغز مثلث برمودا..

تخبرنا وكالات الأنباء العالمية والعربية كل يوم عن أعداد هائلة من السوريين الذين يحاولون الفرار عبر البحار والصحارى مع مخاطر الموت غرقاً أو عطشاً أو الحبس والترحيل بينهم أطفال ومسنون ومعاقون، وتخبرنا عن مافيات الموت التي تشتري وتبيع الأرواح بالاتفاق مع بعض الأجهزة الأمنية في العالم، والتي بالوقت نفسه تبحث في إجراءات لمنع الهجرة غير الشرعية من خلال بلدانها.. وهذا ما أشار إليه الناطق باسم وزارة الداخلية المصرية هاني عبد اللطيف بأن (هناك مافيا مهربين يقودون مهاجرين غير شرعيين إلى إيطاليا)، وذلك من خلال (عمليات تنسيق أمنية مع إيطاليا). في الوقت نفسه الذي يأتي فيه وفد أمني إيطالي برئاسة مدير الإدارة المركزية للهجرة وأمن المنافذ في زيارة إلى القاهرة لبحث ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط!

لتظهر تجارة ليست بجديدة لكنها متجددة مع الحروب والكوارث، يلعب فيها كبار المسؤولين مع تجار البشر والسماسرة ليربح الجميع على الدم البشري في صيغة جديدة لآكلي لحوم البشر بأطقم وكرافيتات ووجوه طيبة، أما العملية فهي تجري بصيغة معروفة للجميع يتناقلونها عبر قنوات أصبحت علنية ومكشوفة (على عينك يا تاجر)..

منها عبر تأشيرات سياحية. نظامية إلى مصر، ومدفوعة الثمن، ليصل الراغب بالهجرة منتظراً دوره بالهروب إلى إيطاليا عبر قوارب يحكي عنها أحدهم بأنها (قوارب الموت تشبه يوم الحشر) منتظراً الموت لا النجاة، أما النجاة فهي الفرصة الأقل، وهي ضربة حظ من تحالفه (يعمّر فيهرم)، أما لماذا تعتبر مصر أحد الأماكن الأكثر شهرة في الهجرة غير الشرعية؟! فهذا ما يصرح به ضابط في الأمن والمحامي عادل مكي بالمنظمة العربية للإصلاح الجنائي في مصر، بأنها إلى الآن تحجم عن سن تشريع يجرّم الهجرة غير الشرعية، رغم انضمامها عام 2000 إلى بروتوكولين خاصين بمكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر، فإن  غياب هذا القانون (يشجع السماسرة والمهربين، فهم يعلمون أنه لن تكون هناك عقوبة). ويطالب بنص في القانون المنشود (يعاقب الأهل) أيضاً كونهم الأوصياء على أبنائهم، ويدفعون بهم إلى الهجرة في حال كونهم قصّر، ويسافرون بهم ليستفيدوا من القوانين التي تحمي الأطفال اللاجئين والمهاجرين وأسرهم..

والهجرة عن طريق مصر تتم إما بطريقة مباشرة عبر قوارب تخرج من شواطئ المتوسط  لتصل إلى إيطاليا ومنها الى دول اللجوء، أو بطريقة غير مباشرة عبر ليبيا، حيث يصل المهاجرون إلى ليبيا عبر مصر في أغلب الأحيان، ومن ثمّ إلى الجزائر أو تونس ليسافروا عبر الشاطئ إلى إيطاليا، وقد أحبطت العديد من المحاولات ومات الكثير من السوريين وغيرهم غرقاً، معظمهم أطفال، ولأسباب مختلفة تختزل بمافيات الموت التي تتاجر بأرواح البشر حتى تصل لمرحلة القتل القصد والمباشر، كما حدث في إحدى قصص الهجرة عندما غرقت في أيلول هذا العام  سفينة في المتوسط بعد مغادرتها الشاطئ المصري وعلى متنها 500 راكب، وقد انطلقوا من مصر في طريقهم الى إيطاليا، عندما صدم المهربون المصريون والفلسطينيون المركب عن عمد قرب جزيرة مالطا، لأن المهاجرين رفضوا الصعود إلى مركب أصغر، وفق ما روى الناجون العشرة في حادث يعتبر (الأخطر في السنوات الأخيرة) وفق منظمة الهجرة الدولية.

وتعتبر تركيا من أكثر الدول التي يهاجر عبرها السوريون، عندما يسافرون إليها بطريقة غير شرعية عبر المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، أو بطريقة نظامية عبر لبنان، لتبدأ في تركيا التجمعات للراغبين باللجوء إلى اليونان أو صربيا..

يتابع (محمد -د) قصته التي لم تنتهِ إلى يومنا هذا: (إني أعيش اليوم في مخيمات قبرص أنتظر دوري، فقد ينقذونا أو قد نُحاسَب لأننا أخذنا تأشيرة دخول شرعية إلى قبرص لمدة ثلاثة شهور مع إقامة، أما هدفنا فهو الخروج من (قبرص اليونانية) بأسرع وقت، أبحث عن أي حل يعينني، فإنا أعيش الجحيم في هذا المخيم مثل الوقوف لساعات لأحصل على لقمة أقتات بها بقية يومي).

ويروي أحد الأشخاص السوريين المقيمين في تونس عن مشاهدات شبه يومية على الشواطئ التونسية عن إلقاء القبض على مهاجرين سوريين بطريقة غير شرعية، يواجهون مصيرهم المجهول بالحبس والمعاملة السيئة والترحيل إلى سورية بظروف قاهرة..

فتونس تعتبر أيضاً إحدى الدول التي تجري على أرضها الهجرة غير الشرعية مع ليبيا ومصر وماليزيا وتركيا وعدد آخر من الدول التي لمعت في السنوات الأخيرة كمعابر للهجرة غير الشرعية، خصوصاً للسوريين.

ويفيد تقرير صدر عن الأمم المتحدة، تناول أسباب الهجرة الجماعية غير المنظمة، أبازدياد أعداد الشباب في بلدان (العالم الثالث)، وتضاؤل وتدهور فرص العمل وأوضاعه، وانتشار البطالة واستشراء الفقر، إضافة الى اتساع الهوة بين بلدان الشمال الغني وبلدان الجنوب الفقير، يضاف إلى ذلك ازدياد وتعمق الوعي بحدّة الفوارق، الأمر الذي يجعل (الهجرة) إحدى الخيارات (الاضطرارية) للخلاص من الوضع غير الإنساني الذي تعيشه فئات واسعة من السكان محرومة في الغالب من فرص العيش الكريم، وبموارد لا تزيد عن دولارين في اليوم أو أقل من ذلك، يضاف إلى ذلك أيضاً شح فرص التعليم وانتشار الأمية والجهل، وتدني الخدمات الصحية وتفشي الأمراض وغير ذلك.

وفي علم الاجتماع تعني الهجرة تبدل الحالة الاجتماعية، سواء بتبدل الموطن أو الوضع الاجتماعي أو المهنة أو غير ذلك، أما حسب علم السكان (الديموغرافيا) فالهجرة تعني الانتقال من موقع إلى آخر بحثاً عن وضع أفضل اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو دينياً أو غير ذلك، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي.

للسوريين أسباب أساسيّة للهجرة حالياً، تتعلق بكوارث الحرب التي أكلت الأخضر واليابس من أرواحهم أو قلوبهم أو أحلامهم، لتبدوا الحياة في جانب آخر عبر طريق محفوف بالمخاطر وفي أحيان كثيرة الموت…

في فتح ملف الهجرة غير الشرعية ستفتح ملفّات عديدة تتضمن الخروقات القانونية والسماسرة الذين يبدؤون من الأرض السورية، وطرق التهريب المختلفة والاستغلال الاقتصادي الذي يصل لدرجة أن يبيع الانسان كل ما يملك في مجازفة قد تكون نهايتها وخيمة، ليلعبوا بمصير الانسان السوري، ويستغلوه في تجارة البشر، ومن ضمنها تجارة الأعضاء والدعارة وبيع الأطفال.

حكاياتٌ كثيرة يرويها السوريين الذين عاشوا تجارب مريرة.. والتجار هم سوريون وعرب وأجانب بوظائف مختلفة وأشكال مختلفة، لكنهم جميعاً يتبعون لمافيا تحت حماية قد تكون دولية!

العدد 1102 - 03/4/2024