حلوة متل بلادي… حلوة متل القمر

منذ بضعة أيام، فيما كنت أزور أحد الأصدقاء في المستشفى، دخلت غرفة المريض فجأة صبية جميلة من بلدي في مقتبل العشرين لتزوره هي أيضاً.

كانت صبية جميلة كالقمر – كما نقول عادة عندما نريد أن نصف أحدهم أنه جميل ووسيم، لكن فوجئت أن تلك الجميلة كانت قد فقدت قدمها اليمنى بشكل كامل، فقدتها بسبب تعرضها لقذيفة هاون مند ما يقارب شهر، ويا للأسف!

 كانت خلال الزيارة قوية جداً وطيبة ومبتسمة، ولم تشعرنا أبداً بأن لديها مشكلة ظاهرة لكي نشفق عليها، لا بل إن حضورها منحنا قوة وشجاعة نحن من وقفنا على أقدامنا لملاقاتها.

حضور تلك (القمر) أثّر بي وهزّني وبتّ أفكر بالفتاة وأهلها وأصدقائها وكيف أن حياتها انقلبت رأساً على عقب.

حضور تلك (القمر) ذكرني بمصيبتنا ونكبتنا وهول فجيعتنا في بلادنا، وانعكاسات النزاع الجهنمي الدائر على أرضنا وحياتنا وحاضرنا وشبابنا ومستقبلنا.

حضور تلك (القمر) جعلني أقارن بينها وبين بلدي سورية، فكلاهما تعرض لإعاقة سحيقة، واضحة وعميقة مستوجبة التواضع والاعتراف.

إعاقة بلدي يمكن أن تتمثل بالخسائر الفادحة للأرواح، الإعاقات الجسدية، الأمراض الجسدية والنفسية والاجتماعية، الأضرار في العمران والآثار والبنية التحتية، أضف إلى ذلك انعدام الأمان تقريباً والخسائر الباهظة في المجالات الصناعية والتجارية والاقتصادية.

والغريب أنه بعد كل تلك المعطيات نتحدث عن النصر! والغريب أن الجميع يصارع حتى الموت من أجل ذلك النصر! أيُّ نصر هذا يا إخوتي في الوطن؟ أيّ نصر؟! أي نصر هذا الذي سنبنيه على تلة مواجعنا؟ أخبروني هل هناك من بيت سوري لم يتضرر ولم تطله الخسائر؟! فبالحرب حتى لو ربحت فأنت خسران!و يبقى أن نحسب من خسر أكثر.

كفى..كفى..كفى!

أنا اليوم أريد أن أصرخ بأعلى صوتي: أوقفوا الحرب في بلادي.. أوقفوا الحرب!

صرخة أوجهها لضمائرنا نحن السوريين، وأسأل: أين نحن من لملمة أشلاء أطفالنا من باحات مدارسهم؟ أين نحن من أرواح الأبرياء الذين يسقطون كل يوم بالعشرات ونحتفظ بالأرقام الحقيقية لكن نحافظ على الروح المعنوية!

أين نحن من إرهاب استشرى كالمرض في كل جسد وطننا؟ أين نحن من فساد استشرى وتضاعف وأصبح كالوحش لا يشبع؟

أين نحن من هجرة الشباب والكفاءات للبحث عن وطن أفضل؟ أين نحن من اللاجئين السوريين ووضعهم الذي يزداد تردياً كما موطنهم يوماً بعد يوم؟

أين نحن من أطفالنا وشبابنا وواقعهم الضائع والمشتت كما موطنهم؟

أين نحن من تضخم في الأسعار يسحق المواطن سحقاً؟

همّك أتعبنا يا بلدي، همك يكاد يفوق وسع أنفسنا!

و بالرغم من كل شيء أنت كتلك القمر، أصبت إصابة عميقة لكنك لن تموت،و مازال وجهك جميلاً وتبتسم ابتسامة كلها حب وشجاعة وأمل.أنت جبار يا بلدي وجبروتك أكبر من مأساتك. ساعدني يا بلدي..ساعدني وأعطني من قوتك!

أنا أعرف أنك لن تموت، أبداً أبداً لن تموت،مهما حصل لن تموت!

أنت فينا لن تموت، ماحيينا لن تموت.. أنت فينا لن تموت ماحيينا لن تموت..

و ستنتصر الحياة فيك يا بلدي انتصاراً سيذهل العالم، وسنشفى شيئاً فشيئاً من الإعاقة التي أصابت أعماقنا وأرواحنا وبدأت تشل حركتنا. وعهداً أن تعود أيامنا وأحلامنا وحياتنا حلوة مثل بلادي وتلك القمر حلوة.

أنت فينا لن تموت ماحيينا لن تموت.. أنت فينا لن تموت ماحيينا لن تموت..

العدد 1104 - 24/4/2024