حمل السلاح بين الرغبة والقانون

بعد أربع سنوات من الحرب في سورية، تردى الوضع الأمني بشكل كبير، تردياً شمل كل المناطق السورية من محافظات ومدن وقرى، مما دفع الناس لحمل السلاح دفاعاً عن النفس والوطن مرة، أو رغبة في العنف والقتل والتدمير مرات أخرى.

إن أثر الحرب أصاب عمق طبيعة العلاقات بين مكونات المجتمع السوري المختلفة إلى حد كبير، فالحقيقة أنها انتقلت من حالة التآخي الى حالة التنافس والعدوان، ومن التقارب إلى التباعد، فالآخر كان قريباً ومشاركاً تحوّل الى عدو خطر للأسف، وعندما يصبح الآخر عدواً عندها، لا بد من حمل السلاح!

السلاح الذي لايكاد يخلو منه أي بيت سوري، ويتزايد بخطورته وفوضويته يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة.

مما قسم المجتمع إلى عدة فئات تتباهى بسلاحها، وعددها كبير، تبدأ من فئة المدنيين الذين يحملون السلاح بشكل سري، والمدنيين الذين يحملون السلاح بشكل علني واستعراضي، والمدنيين الذين يحملون السلاح إلى جانب جيش الدولة (الدفاع الوطني)، إضافة إلى العساكر العاديين (الجيش) والشرطة والأمن…

وأخيراً المجموعات الإرهابية المسلحة التي تشكل عصابات مسلحة متنوعة ومتناثرة ومتحركة من مكان لآخر، وليس لها شكل محدد، وخطرها قد يصل لبيتنا وشخصنا في أي لحظة وبأشكال متنوعة وخيالية.

بالرغم من وجود الفروق بين هذه الفئات جميعاً، لكنها تتشابه في حمل تصور عدواني عن الآخر المختلف، وبذلك ينقسم المجتمع إلى فئات جديدة على شكل عصابات قليلة أو كثيرة، معروفة أو مجهولة، خطيرة أو قليلة الخطورة، تملك سلاحاً متنوعاً بدءاً من السكين وتنتهي بالأسلحة النارية. ويشعر المواطن بتغير النسيج الاجتماعي الذي يحيط به ويكتسب الآخرون بالنسبة له وجهاً جديداً لا يعرفه وهو من كان يعرفه بسهولة ليزداد الشعور بالخوف والارتياب والحيطة من ابن بلدي قريبي الذي أصبح عدوي، أو من الوباء الخارجي الذي وصلنا ليفتك كالمرض بأوصال مجتمعنا.

وبعد اللقاء مع أحد المختصين النفسيين وسؤاله حول رغبة الإنسان في العنف، وما وراءها من أسباب، فقال:

من المعروف أن الإنسان يمتلك غريزتين تدفعانه إلى الحياة والموت، وهما غريزة (قوة الحياة) التي تسمى أحياناً (الغريزة الجنسية)، و(غريزة العدوان) التي تدفع إلى الموت بكل أشكاله إبتداءاً من الانتحار الفردي أو الجماعي، وانتهاء بقتل الآخر، وهذه الغريزة تبدو بشكلها الطبيعي على شكل عدوان يساعد الفرد أثناء نموه في بناء اتجاه الدفاع عن نفسه وحماية ذاته من تجاوز الآخرين له، ومن الأخطار المتوقعة أو الأخطار الموجودة. وهذه الغريزة تأخذ شكلاً آخر في حالة الحرب، خاصة الحرب الأهلية (أي بين أفراد المجتمع الواحد)، فتطفو على السطح، وتسيطر على الشخصية، وتشتّد وتصبح قوية، وتأخذ شكل الهجوم، حيث يسيطر ما يشبه الكابوس على تخيلات الأفراد والجماعات مما يدخل هؤلاء في وهم اعتداء الآخر عليهم فرداً وجماعة، فيصبح الهجوم على الآخر وقتله والحد من أذاه بأشكال غريبة ومتنوعة في عبقرية الاختراع الإجرامي، ويبدأ من تدمير حضارته وممتلكاته وثقافته وتاريخه وجسده وأدواته بأشكال متنوعة، وهذا مانراه ونندهش لوجوده، كالتدمير والحرق والتكسير والتهديم والتشريد والتنكيل والتمثيل بالجثث والتهجير.

بعد كل هذا الصراع المسلح والعنيف ومتعدد الأشكال للقوى على أرض الوطن الواحد لا بد في النهاية أن تنتصر قوة على أخرى ليعود السلام ويستتب الأمن كما كان، وتعيد الغريزة العدوانية إلى حالتها الطبيعية، قوة تعمل وفق قوانين متعارف عليها عالمياً أثناء السلم وأثناء الحرب، وهذه القوة هي قوة الدولة والمجتمع المتمثلة بقوة جيشها، الجيش المنظم الذي يهدف لحماية حدود الدولة، الذي يحمي القانون ويعامل المجتمع وفق القانون والدستور، ووفق قانون الدولة، لأن انتصاره على كل القوى المتصارعة الأخرى هو من سيحمي الدولة والمجتمع.

لأن القانون يمثل الرابط الحقيقي بين الناس المختلفين في كل شيء، ونعيد إن القانون يمثل الرابط الحقيقي بين الناس المختلفين في كل شيء.

ويستمد القانون قوته من تاريخه، إذ تبقى الرموز التاريخية والخبرات السابقة منارة تنير طريق أبناء المجتمع الواحد، وتدعوهم إلى الحفاظ عليه من كل الحروب التي يتعرض بها وفق الأصول والأساليب المتعارف عليها، وضمن بوتقة الدولة وجيشها ومؤسساتها.

وأضف أنه يمكن أن يكون دفاعنا عن وطننا دفاعاً مدنياً سلمياً ويتجلى بمبادرات ومساهمات فردية وجماعية لافتة على جميع الأصعدة، على مستوى الوطن ومدنه ومحافظاته التي وقفت ولازالت مع الدولة جنباً إلى جنب بالرغم من كل الاختلافات القائمة بينهما، وهي التي حمت المجتمع السوري من الانهيار التام.

هي مبادرات ومواقف ومساهمات وطنية تنبع من رغبة بالسلام والبناء، هي نوع من التضامن الإنساني الوطني الذي يواجه المد المسلح العنيف مختارة طريق السلام والحياة والبناء، وقانون الدولة بدلاً من طريق العنف والعدوان والتدمير وقانون الغاب.

العدد 1105 - 01/5/2024