الحكومة والتجار ورفع الأسعار والمواطن بات بين المطرقة والسندان

على الرغم من رفع سعر المازوت فهو غائب في السوق النظامية، وحاضر في السوداء، وجيوب المواطنين يستنزفها الغلاء.

تدرجت  الحكومة في رفع سعر المازوت ، فقد رفعت سعره من 25 إلى 36 ليرة، والغريب في الأمر أنه رغم رفع سعره مازال مفقوداً في السوق النظامية، مع توفره بكثرة في السوق السوداء، ولكن بأسعار خيالية. وبالطبع المتحمل الوحيد لأي ارتفاع يطول أي مادة في السوق هو المواطن، وخاصة ذوي الدخل المحدود. ولا يخفى على أحد أن رفع سعر المازوت هذا أصبح حجة إضافية للمستغلين والمحتكرين لرفع أسعار السلع، فسابقاً وحالياً كانت الحجة هي تذبذب أسعار صرف الدولار، وقد أضيف حالياً ارتفاع سعر المازوت وندرته في السوق.

ولمعرفة مدى تأثير رفع سعر المازوت على القطاعات المختلفة أجرت (النور) عدة لقاءات مع عدد من الخبراء والمواطنين، إضافة إلى بعض الجهات الحكومية.

البداية من المواطن متلقي الصدمات، إذ أوضح مهند أنه وجد التأثير في رفع سعر المازوت بشكل سريع، وخاصة بما يتعلق بالمواصلات، إذ أخذت المواصلات (السرافيس) برفع تعرفة الركوب مزاجياً دون ضابط، متذرعة بأنها تشتري المازوت من السوق السوداء، أو أن السعر الرسمي للمازوت ارتفع.

وأشار مهند إلى أن التنقل ضمن دمشق أو ريفها أصبح يكلف المواطن أكثر من 100 ليرة سورية يومياً، هذا مع شح في المواصلات العامة وصعوبة وجود سرافيس ضمن دمشق.

بالمقابل أوضح رامي أن رفع سعر المازوت وصل تأثيره إلى سعر ربطة الخبز التي تباع في السوق السوداء (على البسطات) ب 100 ليرة وحجتهم هي رفع سعر المازوت. كما أخذت أسعار السلع في السوق المحلية ترتفع تلقائياً، فقد بات سعر الشمعة الواحدة 20 ليرة، وبلغ سعر الكيس 375 ليرة. وأمل رامي أن يتم توفير المادة للمواطنين، لأن ضخ المادة في السوق من شأنه كسر الاحتكار والاستغلال الموجود في السوق السوداء. ورأى أن رفع سعر المازوت سيكون له تأثير على مختلف القطاعات المعيشية، وقال: ليس غريباً أن ترتفع الأسعار في السوق، لأن أسواقنا لم تتعلم إلا الصعود في الأسعار، ولم تتعلم المجاراة الحقيقية للأسعار. ويبقى المواطن هو المتحمل الوحيد لهذا الارتفاع.

بالمقابل أوضح سعيد أن رفع سعر المازوت من شأنه أن يقضي على تجارة الأزمات وعلى السوق السوداء وفق قوله، ورأى أن الحكومة محقة عندما قامت برفع سعر المازوت، إذ يبيع المستغلون هذه المادة في السوق السوداء، في الوقت الذي تتكلف الحكومة على دعمها الكثير ، ولكن سوء التوزيع ووجود الفساد ضمن بعض المؤسسات الحكومية جعل هذه المادة غائبة عن المواطنين.

غرف الزراعة: التأثير سيصل إلى المحاصيل غير الاستراتيجية

بعد سماع ذلك توجهنا إلى غرفة الزراعة السورية، وسألنا محمد الكشتو رئيس الغرفة، فأوضح في تصريحه ل (النور) أن رفع سعر ليتر المازوت سيؤثر على القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، فكل ارتفاع في أسعار مستلزمات الإنتاج سينعكس على المنتج مباشرة، وبالطبع قد يحدث نوعاً من الإرباك. والحل برأي الكشتو هو أنه يوجد حالياً دراسة جدية لتعديل أسعار المحاصيل الاستراتيجية بما يتوافق مع الأسعار الجديدة، سواء أسعار الأسمدة أو أسعار المحروقات. ففي حال تم التعديل فلا يوجد مشكلة بالنسبة للمحاصيل الاستراتجية، أما باقي المحاصيل غير الاستراتيجية فإنها ستشهد ارتفاعاً في أسعارها، وهذا الارتفاع يختلف من محصول إلى محصول آخر، وذلك وفق العرض والطلب، ولكن العبء النهائي سيتحمله المستهلك.

وأوضح الكشتو أن المشكلة الحقيقية هي أن سعر المازوت ارتفع ولكنه غير متوفر، فالأهم هو توفير المادة. وبالطبع فإن عدم توفر مستلزمات الإنتاج الزراعي للمزارع يدفعه لأن يترك أرضه، ويهمل الزراعة. لذا يجب تأكيد أهمية تمكين الفلاح في أرضه وتقديم التسهيلات اللازمة له.

ورأى رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية أن تحرير أسعار المحروقات برأيه مع إيجاد آلية لتحويل مبالغ دعم المحروقات إلى المواطن والخدمات التي تقدم له سواء من حيث زيادة الرواتب أو إيجاد فرص عمل بحيث لا يشعر المواطن بأن هناك عبئاً قد حُمّل عليه. ورأى أن 90% من دول العالم تحرر أسعار المحروقات.

 

الزراعة: التأثير لن يكون كبيراً والمهم توفير المادة للمزارع

 بعد ذلك توجهنا إلى وزارة الزراعة والتقينا معاون وزير الزراعة عدنان عثمان، الذي أوضح في تصريحه ل (النور) أن رفع سعر ليتر المازوت سينعكس على تكلفة وحدة المنتج، سواء النباتي أو الحيواني، مشيراً إلى أن الوزارة تسعى بالتعاون مع الوزارات المعنية إلى تأمين المادة للمزارع والمربي. فالمحاصيل الاستراتيجية من قمح وقطن وعلف تحتاج إلى المحروقات، والهاجس الوحيد لدى (وزارة الزراعة) هو تأمين هذه المادة أولاً، ثم النظر في تأثير رفع أسعار المحروقات على هذه المحاصيل.

وأشار عثمان أن رفع سعر المازوت سيؤثر على تكلفة وحدة المنتج ولكن التأثير لن يكون كبيراً فالسعر الرسمي لمادة المازوت لا يؤثر على التكلفة مقارنة بتكلفة المواد العلفية المستوردة للقطاع الزراعي، وخاصة ما يتعلق بالدواجن. فالارتفاعات العالمية التي طرأت على المواد العلفية مؤثرة أكثر، وبالطبع رغم كل ذلك تبقى سورية هي الأرخص في إنتاجها مقارنة بدول الجوار.

ولفت معاون وزير الزراعة إلى أن الوزارة تسعى جاهدة لتمكين الفلاح في أرضه بالتعاون مع الوزارات الأخرى، من خلال تأمين مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومحروقات. وبالطبع سنعوض الفلاح في حال أثرت هذه الارتفاعات على عمله وأرباحه، وسيكون التعويض في بداية الموسم، إضافة إلى دعمه. والوزارة مستعدة لتقديم كل التسهيلات للفلاح في سبيل بقائه في أرضه.

ورأى عثمان أن الأسباب الحقيقية التي دفعت الكثير من مربي الدواجن للخروج من العملية الإنتاجية هي التعديات والسرقات التي تعرضوا لها والتي جعلتهم يخسرون الكثير ، ولولا هذا العامل لكان المربي بمقدوره أن يصمد أمام ارتفاعات الأسعار العالمي أو المحلي التي تطرأ على مستلزمات الإنتاج.

جمعية حماية المستهلك: رفع سعر المازوت خطأ والمستهلٍك أصبح مستهلَكاً

رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني أوضح في تصريحه ل(النور) أن رأي الجمعية كان واضحاً منذ البداية، عندما رُفعَ سعر المازوت من 15 إلى 20 ليرة، ومن ثم إلى 25 ليرة، وهو أننا ضد أي رفع لسعر أي مادة تدعمها الحكومة، ففي حال المتابعة فإننا نجد أنه عندما رفعت الحكومة سعر لتر المازوت من 15 إلى 20 ليرة فإن سعره في السوق السوداء أصبح 40 ليرة، وعندما رفعت سعره من 20 إلى 25 ليرة أصبح يباع ب 100 ليرة في السوق السوداء. وحالياً وبعد رفع سعره مجدداً إلى 36 ليرة فإننا سنشهد سعراً جديداً له في السوق السوداء يفوق ال 100 ليرة.

وأشار دخاخني إلى أن رفع سعر المازوت سيؤثر على مجمل الفعاليات الاقتصادية، سواء الصناعة أو التجارة أو النقل، وسيتحمل تأثير ذلك كله المواطن وحده، وخاصة ذوي الدخل المحدود. إذ نجد أن جميع المطارق تنزل على رأس المواطن، وخاصة ذوي الدخل المحدود.

وقال أيضاً: كيف يُرفع سعر المازوت وهو غير متوفر في السوق؟.. ففي حال وفرته الحكومة للمواطن بسهولة ورفع سعره بعد ذلك فإن المواطن ربما يقبل بذلك في حال بيع بسعره النظامي بعيداً عن السوق السوداء. أما إذا كان غير متوفر في السوق ويُرفع سعره فهذا أمر غير منطقي ولا يوجد أي مبرر لرفع سعره، فالمازوت مادة أساسية مَثَلُه كمثل الماء، فيجب على الحكومة أن تقوم بتوفير المادة أولاً وبعد ذلك تقوم بإجراء دراسة لمعرفة مدى تأثير رفع سعر المازوت على المستهلك وعلى جميع القطاعات، وبناء على نتائج الدراسة يُتخذ القرار، لا أن يكون القرار مفاجئاً وغير مدروس.

ورأى رئيس جمعية حماية المستهلك أن المستهلك أصبح مستهلَكاً، والغريب أن الحكومة إلى الآن تنظر إلى المواطن وكأنه يعيش في بحبوحة وحالته المادية ودخله الشهري قوي، في حين أنه على عكس ذلك. فالدخل ثابت والأسعار تثب بسرعة. ففي معظم دول العالم التي تنتهج اقتصاد السوق الاجتماعي تقوم بدفع تعويض للموظفين والمستهلكين في حال قامت برفع أسعار مادة ما ورأت أنها أثرت على دخل الموظف، لذا نؤكد مرة أخرى أن رفع سعر المازوت هو أمر خاطئ، والجمعية تستنكر هذا الأمر.

وأكد دخاخني أن السوق ستشهد ارتفاعات جديدة في أسعار مختلف المواد والسلع، لأن البائع أصبح لديه حجة جديدة وهي رفع سعر المازوت، إضافة إلى ارتفاع أسعار النقل التي ستؤثر على المواطن وعلى البضائع وعلى الزراعة والصناعة.

وسأل دخاخني أخيراً: كيف يتوفر المازوت بكميات كبيرة جداً في السوق السوداء، في حين لا نجد ذلك في السوق النظامية؟

خبير اقتصادي: دوافع رفع سعر المازوت حتمية لارتفاعه عالمياً..

بالمقابل وجد الدكتور شادي بيطار (دكتور في كلية الاقتصاد جامعة دمشق) أن مادفع الحكومة لرفع سعر المازوت في ظل الأوضاع الراهنة التي تمر على سورية هو ارتفاع أسعار النفط عالمياً، وانخفاض سعر الليرة مقابل الدولار. والدولة تستورد ما يقارب 60% من احتياجاتها من المازوت. إضافة إلى ارتفاع تكاليف عمليات نقله والمخاطر المرتبطة به، مما يرتب عليها أعباء إضافية تحتم ضرورة زيادة السعر، علماً أن استمرار تدفق المادة أضحى أكثر أهمية وإلحاحاً من سعرها.

وبالنسبة لانعكاس هذا الارتفاع على السوق وعلى الصناعة قال د. بيطار: منذ أشهر عديدة يضطر المستهلكون على المستوى المنزلي أو الصناعي إلى دفع أسعار مرتفعة جداً للمازوت، فإذا كان السعر الجديد يحسن من فرص توفيره فسيترك أثراً إيجابياً مباشراً على المستويين الاستهلاكيين المنزلي والصناعي.

العدد 1104 - 24/4/2024