الأزمة السورية وعوامل الصمود

أُشبعت الأزمة السورية منذ عامين ونصف بالتوصيف والتحليل، ومعرفة الأسباب القريبة والبعيدة (الداخلية والخارجية). وأشكال التدخل في الشؤون الداخلية في أبعادها الإقليمية والدولية.. وعمليات (تجميع) القوى المعادية لاقتلاع سورية من المنطقة، وإثارة الفتنة الطائفية البغيضة، وتقسيمها إلى إثنيات ومذاهب.

إن العودة إلى خريطة الأزمة وتضاريسها المعقدة، وعمليات الفرز السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية تكشف لنا، تشعّبها وتعدد دلالاتها ودروبها والهدف من التخطيط لها، من قبل عشائر النفط والغاز والأنظمة السياسية الثيوقراطية الرجعية وحلفائها الإقليميين، ومن أبرزهم تركيا (العثمانية الجديدة).

ورغم معاناة الشعب السوري التي غدت معروفة للعالم وتضحياته الجسيمة وتقديمه ألوف الشهداء، فقد أثبت للعالم بقارّاته الخمس، أنه يشكل السند والداعم الرئيسي لجيشنا الباسل الذي يطارد الجماعات الإرهابية التكفيرية المسلحة في كل مكان من أرض الوطن.

وفي هذه المداخلة القصيرة المكثفة والزمن المحدود، لا بدَّ من التركيز على عوامل الصمود بنوعيها الداخلي والخارجي.

أولاً- عوامل الصمود الداخلية:

* الحفاظ على مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، رغم الإغراءات المادية والترفيهية التي تقدمها السعودية وقطر وغيرها.. وإن غربال الأزمات السياسية والاجتماعية يقوم بفرز القمح الصافي المشبع برائحة تراب الوطن، ويفصله عن الحبّ الضعيف الذي يقدم علفاً للمواشي.

* عدم وجود بيئة حاضنة للجماعات الجهادية – التكفيرية – الإخوانية، خاصة بعد الأعمال الوحشية التي نفذتها ضد المواطنين. والمنافسة بين مئات المجاميع على تقاسم النفط والمعامل والمسروقات ونهب الممتلكات الخاصة والعامة.

* وحدة النسيج الاجتماعي والعيش المشترك منذ قرون بين مكوّنات المجتمع السوري.

* الإجماع الوطني من القوى والتنظيمات السياسية، اليسارية والاشتراكية والديمقراطية والدينية المستنيرة، وجميع الوطنيين الغيورين على استقلال سورية وسيادتها، وضد التدخل في شؤونها الداخلية قالوا كلمتهم: (الدفاع عن الوطن).

* الشرخ الشاقولي بين المعارضة في الداخل والخارج.. بين من يسلك طريق الحوار الوطني، ومن يرهن نفسه للإمبريالية الأمريكية والأوربية، ممن أصيبوا بالزكام من رائحة النفط والدولار. ومن يجلس على عتبات قصور الملوك والأمراء ويتفيأ بظلال البيت الأبيض.

* دور المؤسسات الإعلامية والثقافية في كشف الأكاذيب وفضحها، ومساندة إعلام الأصدقاء العرب والأجانب، رغم تطور الإعلام المعادي الذي يوظف ثورة الاتصالات والتقنيات العالية جداّ.

* عدم قبول الحكومة السورية للمساومات.

ثانياً- عوامل الصمود الخارجية:

* الموقف الدولي الداعم مادياً وسياسياً وعسكرياً، المتمثل في دول البريكس، خاصة (روسيا والصين)، ودول أخرى رفضت موقف الولايات المتحدة وحلفائها وتهديداتها وشن العدوان على سورية.

* التحالف المتين.. السوري – الإيراني والمقاومة الوطنية، ودول عربية لعبت دوراً احتجاجياً في جامعة الدول العربية ضد القرارات العدوانية بحق سورية والشعب السوري.

* استمرار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية منذ أيلول عام 2008.

* عدم التجانس السياسي بين دول الاتحاد الأوربي والتباين في بعض المواقف السياسية.

* الحراك السياسي الجماهيري في تركيا والدول العربية المجاورة، وانتقال الأعمال الإرهابية إليها. وتأييد ودعم الشعب السوري، وفشل التسوية بين حزب العمال الكردستاني وحكومة أردوغان.

* سقوط قرارات جامعة الدول العربية ومشاريعها ومخططاتها في سلة المهملات.

* تجميد البيت الأبيض للدور السياسي القطري، وتزويد النظام السعودي بأسطوانات أوكسجين لزيادة دورها في المنطقة. وبروز تحالف سعودي – إماراتي في مواجهة التحالف القطري – التركي.

* عدم جدوى العدوان الإمبريالي العسكري على سورية، وإعادة قراءة نتائج الدروس والامتحان الصعب في العراق والصومال وأفغانستان. والتخوف من أن التطور في سورية قد يسير في اتجاه يضر بمصالح إسرائيل وأمنها، وقلق الأعداء المتزايد من انتقال الإرهاب إلى المنطقة وإلى الولايات المتحدة وأوربا.

لقد وصفت سورية (بأنها رمانة الميزان الاستراتيجي العربي)، نظراً لموقعها الجغرافي والسياسي والحضاري، ولرفعها لواء المقاومة والممانعة ضد المشروع الإسرائيلي الذي تدعمه الولايات المتحدة وأوربا.

العدد 1105 - 01/5/2024