الجمعيات النسائية جهود ضائعة لغياب القانون وضعف الإمكانات

شهدت سورية خلال العقد الماضي نشاطاً ملحوظاً في عمل الجمعيات النسائية المعنية بقضايا حقوق المرأة، فعلت أصوات المدافعين عن المرأة والمطالبين بإلغاء أي تمييز بحقها، ومنحها المساواة الكاملة في الحقوق الواجبات في القانون و التي كفلها الدستور، مستندين في عملهم على شرعة حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فدأبت الجمعيات على تناول مواضيع تعد من المحرمات لكثيرين، وسعت لرصد الانتهاكات الواسعة التي تتعرض لها المرأة السورية بصفتها الجنسية وبصفتها الإنسانية، مع العمل على تمكين المرأة للخروج من بوتقة العنف إلى عالم أفضل يؤمن بها وبمقدرتها.

فأخذت جمعيات عديدة على عاتقها هموم النساء ومشاكلهن، منها رابطة النساء السوريات، المبادرة النسائية، ثرى، تجمع سوريات، مرصد نساء سورية، جمعية تطوير دور المرأة، راهبات الراعي الصالح، وضمنه هاتف الثقة  لضحايا العنف الأسري، وواحة الراعي.

فأطلقت هذه الجمعيات وسواها حملات عديدة منها حملة تعديل قانون الجنسية السوري، وحملة المطالبة بوقف جرائم الشرف، وإلغاء القوانين السورية، التي تسهل ارتكابها وغيرها الكثير، إلا أنَّ هذه الجمعيات لم تتمكن من إنجاز خطوات فعلية على أرض الواقع، لأسباب منها استمرار الاعتراف الخجول بها، ومحدودية إمكاناتها، إضافة للعادات والتقاليد الناجمة عن الموروث الاجتماعي، والذي كان أشد وطأة عليها في كثير من الأحيان من القيود السياسية الرامية لتقييد عمل الجمعيات.

مع الإشارة إلى توقف جميع هذه الجمعيات عدا راهبات الراعي الصالح، وهي ليست جمعية بل دير للراهبات يعمل في سورية منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وهو  أحدث نقلة في أسلوب العمل النسوي في سورية منذ إحداثه، إذ هدف إلى تقديم الدعم للنساء ضحايا العنف الأسري قانونياً واجتماعياً واقتصادياً ونفسياً في مجتمع مازال بعيداً عن مفاهيم المساواة وحقوق المرأة واللاعنف، خاصة بتأسيسه لهاتف الثقة لضحايا العنف الأسري لتقديم المشورة والمتابعة الميدانية من خلال  فريق عمل مدرّب ومهني قادر على الصمود بوجه كل هذه المعيقات المتعلقة بالقوانين والعادات والتقاليد والمفاهيم الخاطئة، بالاستعانة بالخبرة العميقة للراهبات في هذا العمل الذي انتشر في كل العالم، وربما كان هذا السبب في صمود عملهم إلى الآن وهو ما لم يتوفر لباقي الجمعيات التي حلّ بعضها توقف عمل بعضها الآخر، والتي لم يعطَ ترخيص لعملها أصلاً.. فالقانون كان عائقاً أمام تلك الجمعيات للاستمرار، يضاف إلى ذلك مشاكل تتعلق  بتواصل الجمعيات مع القاعدة الاجتماعية أو الفئة المستهدفة في الشارع السوري، وقلة الخبرة التراكمية بالعمل المجتمعي والجماعي، فمعظم الجمعيات لم تكن مؤهلة للتعامل مع الواقع وتأمين الحماية للنساء والأطفال، وهو ما تجلى خلال الأزمة حيث انحسر العمل النسوي وانحصر العمل بجمعيات قليلة، إذ أُوقف ترخيص بعضها والبعض الآخر أَوقف نشاطه لصعوبة العمل مع انعدام الأمن.

إنَّ المطلوب اليوم من الجمعيات والحركات النسائية أن تعيد تقويم تجربتها ووضعها على أرض الواقع، بالتوازي مع تغيير آلية العمل ولغة الخطاب، والإيمان بأنَّ الحوار هو الأفق الأوسع للعمل، لتتمكن من الوصول إلى الإنسان بعيداً عن كل ما يلحق به من صفات أخرى تتعلق بجنسه أو لونه أو معتقده، ومن ناحية أخرى لا تزال الجمعيات تنتظر الاعتراف بأهمية دور المجتمع المدني، مع تطبيق حقيقي لمفهوم الشراكة بين المجتمع الأهلي والجهات الحكومية، أملاً من أن تتمكن في انتزاع قرار سياسي يعيد إلى المرأة السوري حقوقها كافة خاصة في القوانين التي تعدُّ المحرك الأهم والأكثر فاعلية.

العدد 1105 - 01/5/2024