ذوو الدخل المحدود يضعونها على القائمة السلبية للاستهلاك

جنون الأسعار يصيب اللحوم بألوانها !

التدخل الإيجابي: إرضاء الناس غاية لا تدرك

 

 ارتفاع شاهق تشهده أسعار اللحوم البيضاء والحمراء وكذلك البيض. فقد باتت الأسعار لا تتناسب ودخل الفرد الشهري وفق الكثير من آراء الاقتصاديين، إذ بلغ سعر كيلو الفروج 335 ليرة، في حين بلغ سعر صحن البيض مابين 310 و315 ليرة.. بمعنى أن سعر البيضة الواحدة فاق ال 10 ليرات. أما لحوم العواس فقد تجاوز سعر الكيلو الواحد ال1000 ليرة ليتراوح مابين 1100و1200 ليرة، مسجلة أرقاماً قياسية لم تشهدها من قبل.. وبالطبع أصبح يصعب على المواطن أن يحصل على هذه المواد، وإذا وضع القلم والورقة وجمع وطرح وقسم وقام بجميع العمليات الحسابية، فإنه سيصل إلى نتيجة مفادها (نعتذر، فإن رصيدك الحالي غير كاف لإجراء عملية الشراء للمواد السابقة).

فاللحوم أصابها جنون الأسعار، ولم يعد هنا لذوي الدخل المحدود بديل يتناولونه يتناوله، فاللحوم البديلة عن الفروج ولحم العواس هي لحم الجاموس (المجمّد) ولحم (العجل)، أما لحم الجاموس فقد شهد أيضاً ارتفاعاً في أسعاره، نتيجة زيادة الطلب عليه. أما لحوم العجل فقد أصبحت مفقودة وشحيحة في السوق، ووصل سعر الكيلو الواحد منها إلى 700-800 ليرة، أما لحم الجمل فهو يضاهي بسعره سعر لحم العواس، وبالطبع لن يجرؤ ذوو الدخل المحدود على شرائه.

إذاً فما عاد أمام المواطن أي بديل للحوم الحمراء. أما اللحوم البيضاء فإن الدجاج بلغ سعراً خيالياً كما ذكرنا، وأصبح البديل عنه هو السمك الذي شهد أيضاً ارتفاعاً في أسعاره، نتيجة زيادة الطلب عليه. وبالطبع فإن العوامل السابقة تلقي الكثير من المسؤولية على جهات التدخل الإيجابي الحكومية في السوق لكسر حدة الأسعار وتوفير المواد على أقل تقدير بأسعار منطقية تتناسب ودخل الموظف. ولكن الكثير من المواطنين يقولون بأن مؤسسات التدخل الإيجابي لا تقوم بدورها الإيجابي كما يجب، ولفتوا الأنظار إلى أن أسعار المواد الغذائية في صالات المؤسسة العامة للخزن والتسويق، على سبيل المثال، هي مشابهة لأسعار السوق بل وتتفوق عليها في بعض السلع، كما أن المواد المفقودة في السوق المحلية وخاصة الأساسية مثل السكر غير متوفرة دائماً في صالات مؤسسات التدخل الإيجابي (الاستهلاكية  الخزن والتسويق)

(النور) حاولت رصد أسباب ارتفاع أسعار لحوم العواس والدجاج والبيض، وقامت في سبيل ذلك بإجراء لقاءات مع الجهات المسؤولة عن هذه المواد، إضافة إلى دور مؤسسات التدخل الإيجابي في كسر حدة الأسعار في السوق المحلية.

غرف الزراعة: قرار تصدير الأغنام أصاب اللحوم بجنون الأسعار

البداية ستكون من لحوم العواس، فقد كانت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية قد عدلت قرارها السابق بشأن تصدير الأغنام، بحيث يصبح على الشكل التالي: السماح بتصدير ذكور الأغنام وذكور الماعز الجبلي بدءاً من 1/12 إلى 31/3 من كل عام، ابتداء من العام الجاري. والسماح بالتصدير يتم كل عام بقرار يصدر من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ووزارة الزراعة والاتحاد العام للفلاحين.

وهنا نسأل: هل كان لهذا القرار تأثير على واقع أسعار لحوم العواس؟ للحصول على إجابة شافية توجهنا إلى رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية محمد الكشتو، الذي أوضح في تصريحه ل (النور) أن اتحاد غرف الزراعة ليس مع قرار تصدير الأغنام الذي أصدرته وزارتا الاقتصاد والزراعة واتحاد الفلاحين. وقد استغرب السماح بالتصدير في الأيام الحالية التي هي فترة ولادات، والتي تمتد وفق قرار منع التصدير الذي وضع منذ أكثر من عشر سنوات من تاريخ 13/12من كل عام إلى تاريخ 13/3.

ونبّه الكشتو إلى أن 90% من اللحوم التي يبيعها اللحامون في السوق المحلية هي لحوم إناث الغنم (الفطيمة)، وذلك نتيجة تصدير الذكور. وهذا يشكل تهديداً كبيراً وحقيقياً للثروة الحيوانية.

كما لفت إلى الفساد الكبير في قضية الأعلاف وارتفاع أسعارها، مشيراً إلى أن 60% من الأعلاف التي يأخذها المربون تذهب إلى سماسرة السوق. فالمربي يقدم طلباً إلى وزارة الزراعة للحصول على أعلاف ل 60 ألف رأس، في حين هو لا يملك أكثر من 5 آلاف رأس، ويقوم ببيع الأعلاف في السوق السوداء، مما رفع أسعارها أكثر وأكثر.

وأكد الكشتو أن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، وخاصة العواس منها، في السوق المحلية يعود إلى مجموعة من العوامل وهي: ارتفاع أسعار الأعلاف الكبير جداً، إضافة إلى صعوبة النقل وارتفاع تكاليفه وانخفاض عدد القطيع انخفاضاً شديداً في سورية، والتهريب، وعدم قدرة المربي على تأمين مستلزمات الإنتاج، وعزوف المربين عن التربية نتيجة الأوضاع الراهنة. و فوق كل تلك العوامل جاء قرار التصدير لتبدأ أسعار اللحوم الحمراء بالجنون.

ورأى رئيس الاتحاد أن إصدار هذا القرار حُصِرَ ضمن وزارتَيْ الزراعة والاقتصاد والاتحاد العام للفلاحين، ولم يشارك اتحاد الغرف الزراعية السورية في إصداره. وأكد عدم وجود شفافية ودقة في التصريحات الخاصة بالثروة الحيوانية. فالرقم الإحصائي للثروة الحيوانية، وخاصة العواس والماعز، ليس دقيقاً، ويوجد قلق حقيقي إزاء هذه الثروة.

وتوقع الكشتو أن تصل الثروة الحيوانية في سورية إلى درجة الخطورة الكبيرة في حال الاستمرار على النهج الحالي نفسه في التعامل معها، فالمادة قليلة في السوق ووضعها غير مطمئن في المستقبل، على عكس الشق النباتي.

وطالب بأن يوضع برنامج وطني متكامل للثروة الحيوانية ذات الميزة النسبية، وخاصة للأغنام، وأن يتم التصدير في حال وجد إنتاج عال من رؤوس الأغنام، بعد إشباع حاجة السوق المحلية.

مؤسسة الدواجن: صعوبة النقل سبب ارتفاع أسعار الفروج والبيض..

بالمقابل أوضح مصدر مطلع في مؤسسة الدواجن ل (النور) أن السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار مادتي البيض والفروج في السوق المحلية هو صعوبة النقل من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك، وخاصة مع عدم توفر عنصر الأمان على الطرقات. فقد بات السائق يأخذ مبالغ إضافية لكي ينقل المادة عدا صعوبة تأمين المازوت للمركبات، وتعرض الكثير من المركبات التي تنقل المادة إلى السرقة والتعديات. يضاف إلى ذلك انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية، وارتفاع صرف الدولار، الأمر الذي أدى إلى زيادة أسعار مستلزمات الإنتاج، وبالتالي زيادة تكلفة المنتج.

وأشار المصدر في تصريحه إلى أن أسعار الفروج سيطرأ عليها انخفاض، وخاصة مع حلول فصل الربيع، إذ سيقبل المربون على التربية التي لا تحتاج إلى عنصر التدفئة. أما البيض فتوقع عدم ارتفاع سعره أكثر من ذلك، واستقراره عند الحد الحالي.

وذكر أن 90% من المربين تخلّوا عن التربية. وفي حال استوردنا البيض أو الفروج فإننا سنلحق الضرر بهذا القطاع الإنتاجي الكبير في سورية الذي يشغل ما لا يقل عن 5 ملايين مواطن.

مدير العلاقات العامة في مؤسسة الخزن والتسويق: الأسعار عندنا أقل..

أوضح موسى موسى، مدير العلاقات العامة في المؤسسة العامة للخزن والتسويق، في تصريحه ل(النور)، أن ما يقال عن أن أسعار المواد والسلع الموجودة في صالات المؤسسة هي أغلى من السوق غير دقيق، وأكد أن أسعار المواد أقل من السوق بكل المقاييس، معبراً عن ذلك بقوله: (إرضاء الناس غاية لا تدرك).

وأضاف موسى أن المواطن تعوّد أن يأخذ السلع من الصالات الحكومية بأسعار رمزية مشيراً إلى أن المؤسسة ليست منتجة، وأن أجور النقل تكلف المؤسسة الكثير، وتصل إلى أرقام مرعبة. وذكر أن السلع التي تباع ضمن الصالات الحكومية تشترى من المنتجين بتكاليف باهظة، سواء المازوت أو الكهرباء أو السماد. كما أن الكثير من سيارات المؤسسة متوقفة، وتم التعاقد مع جهات خاصة لتفادي قضية النقل. وأوضح مدير العلاقات العامة في المؤسسة أنه لن تدعم إلا السلع الأساسية، مثل الخضروات الضرورية من البطاطا والبندورة وكذلك الزيوت والسكر والرز والسمون، وأن المؤسسة لن تدعم الكيوي وسلع الرفاهية.

وأكد أيضاً أن المؤسسة على الرغم من كل الصعوبات التي تواجه عملها من سرقة سياراتها، وصعوبة نقل المواد وتوزيعها، إلا أنها مازالت مستمرة في أداء واجبها وتعمل على توفير كل عناصر الأمن الغذائي للمواطنين بأسعار منافسة لأسعار السوق.

تعليق: ضرورة خفض أسعار اللحوم وتطوير الثروة الحيوانية..

نهاية القول نود أن نؤكد أن اللحوم هي من المواد الغذائية الأساسية للمواطن، وأن ارتفاع أسعارها إلى هذه الدرجة جعلها في القائمة السلبية لاستهلاكه، وقد أصبحت هذه القائمة تضم الكثير من المواد. وهنا لا بد من تأكيد أهمية خفض أسعارها، فسابقاً كانت أسعار اللحوم الحمراء غير مناسبة لدخل المواطن فكيف حالياً، كما لابد للجهات المعنية أن تجري دراسة دقيقة للثروة الحيوانية في سورية قبل اتخاذ أي قرار تصدير يتعلق بهذه الثروة، مع المحافظة عليها وتطويرها، لأنها سمة أساسية لاقتصادنا الوطني. كما ينبغي منح المرونة لمؤسسات التدخل الإيجابي والوقوف على معوقات عملها ودعمها أكثر، لكي تقوم بدورها بشكل أفضل وعلى نطاق أوسع من حيث تلبيتها لحاجات المواطن، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.

العدد 1104 - 24/4/2024