آمال وأمنيات بالسلام في العام الجديد

أيام قليلة ونطوي بعدها صفحة عام جديد بحلوه ومرّه، ونستقبل عاماً جديداً تتجدد فيه الأماني والآمال بعام يحمل الخير وينتشر معه الفرح والسلام بين ربوع بلاد آرام، التي اكتوت بنار الحقد بعد شهور طويلة انتشر فيها القتل والتدمير والانتهاكات وزاد معها التهجير والخطف والعنف، فخسرنا الكثير من الإخوة الأبرياء بين قتيل ومعتقل ومخطوف راحوا ضحية حرب دائرة منذ أربعة أعوام، بدأت بحركة احتجاجية مطالبة بإصلاحات تحولت فيما بعد إلى حرب كونية على أرض السلام سورية، فانتشرت لغة القتل والتدمير وقطع الرؤوس، بدلاً من الديمقراطية والحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، فدُمّر الكثير من مكونات البلد، ولم يتوقف التدمير على المكونات المادية، بل يمتد ليطول المكونات الفكرية والروحية والثقافية،  وبدأت تخبو شمس الحق والسلام عن ساحاتنا.

أطفالنا أمانة

عام يحمل معه الكثير من الآمال والتطلعات المتباينة التي تصب جميعها في بوتقة وحدة سورية وسلامة مواطنيها، فالكاتبة إيلين الخوري قالت في حديث لـ (النور) (كم تمنيت في عام 2014 أن يخرج القهر من قلوب الكثير من البشر، ولكن لن أنكر أنه لم يتحقق ذلك وكنت من مَن نالهم من ذلك نصيب). وأضافت: (طفولة بلادي مشردة، فقد بات الكثير من الأطفال بيتهم شارع، سقفه سماء، وأرضه أرصفة وشوارع، جدرانه فقط هواء تتبعثر به أحلامهم المستقبلية)، وتساءلت: (أي جيل ننتظر نحن إن كانت نسبة من نراهم يتسولون تزداد أمامنا يومياً دون خطوات لعلاج ذلك؟).

وأشارت الخوري إلى فتاة عمرها 5 سنوات تراها يومياً في الشارع تدعى (صبا)، أبوها بائع متجول وأمها تعمل في تنظيف المنازل، وعلى شفاهها كلمات بصوت يرتجف: (عمو ساعدني – خالة ساعديني 10 ليرات بس)، وقالت: أتمنى أن أرى صبا في بيتها مع أمها وتأخذ 10 ليرات من حنان أهلها، ودفء بيتها، فحالها حال الكثير من الأطفال.

وتمنت الخوري أن تفتح أعين المسؤولين عن هذا الملف من جديد في 2015 ليحظى بالاهتمام أكثر من قبل، ويعاقب كل والدين ينجبون ويدعون أطفالهم في شوارع مظلمة وبرودة قاسية وأضواء سيارات ربما لن تعمل في لحظة وتذهب هي فجأة إلى قدر مجهول دون أن يتحمل أحد مسؤوليتها سوى القدر.

حال صبا كحال الكثيرين من الأطفال الذي دفعتهم الأزمة لمغادرة منازلهم ومدنهم، فأحمد طفل في العاشرة من عمره يقيم في حديقة الأرماني مع أخته الصغيرة وأمه، تمنى أن يتمكن مجدداً من سماع صوت والده الذي قتلته القذائف، آملاً بإمساك يده من جديد، قال والدمعة محبوسة في عينيه: (ارجاع يا بابا، بوعدك ما عذبك أبداً، تعال اسأل الماما قديش عم ساعدها)!.

الخوف والضياع

وبيّن الأستاذ محمود مصطفى الذي يعمل مديراً لأحد المواقع الالكترونية أنَّ العام الماضي شهد الكثير من حالات الاحتقان والاقتتال والدمار والخراب والتوحش، لافتاً إلى انتشار الكثير من المناظر والمشاهد والأحداث التي لم نكن نتصورها أو نتخيلها يوماً في سورية، ومن ناحية أخرى لفت إلى هجرة الكثيرين من شبابنا نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية وانتشارهم في أصقاع الأرض متحدّين البحار والغابات، وشدد على ضرورة إيجاد حلول سياسية للأزمة بالتزامن مع الإصلاح الاقتصادي.

وأضاف: (لقد تضاءلت طموحاتنا وأحلامنا، سواء الشخصية أو العامة، وأصبحت في مستوياتها الدنيا، بل وقطعاً من السراب في كثير من الأحيان، فباتت آمالنا تنحصر بالسلام والآمان وتأمين جرة غاز أو بضعة ليترات من الوقود للتدفئة، وكثيرون باتوا يحلمون بتأمين ما يسدون به رمقهم لا أكثر)، مبيناً أن قائمة أحلامه لم تعد كثيرة كما السابق، بل سقطت على أرض الواقع المحزن المفعم بالخوف والضياع.

وناشد مصطفى جميع السوريين أن يوقفوا حمام الدم السوري داعياً الجميع للحوار علّنا نجتاز النفق المظلم الذي دخلنا فيه.

المرأة تصرخ

وأشارت المحامية نور عويس (الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل) أن أمنياتها وأحلامها كامرأة سورية تتلون بالتفاؤل والأمل في العام الجديد، وإضافة إلى مطالبتها بحفظ حقوق المرأة ومساواتها الكاملة بالرجل خاصة أن الدستور كفل ذلك، إضافة إلى تعديل كل القوانين التي تعنى بالمرأة وتفعيل آليات تنفيذها، وكذلك إزالة التحفظات على الاتفاقيات الدولية التي صادقت سورية علهيا وعلى رأسها (سيداو).

وقالت: (أتمنى أن تتمكن المرأة السورية من بسط أجنحتها وأنوثتها والتعبير عن ذاتها بحرية دون التأثر بقيود المجتمع البالية، وهو ما يتطلب إزالة كل الصعوبات التي تواجهها المرأة سواء المرتبطة بالحالة العامة للبلاد أو المرتبطة بكونها أنثى، وذلك عن طريق تسليح المرأة بالعلم والتدريب المستمر، وأن تأخذ حقها وأن يكون لها الحرية الكافية لتحديد مصيرها وأن تكون هناك ديمقراطية داخل البيت بين الرجل والمرأة لينشأ الأطفال على الديمقراطية والحوار).

كما تمنت أن يشهد العام القادم تغييرات واسعة في مناهج التعليم المدرسي والجامعي وربطها باحتياجات سوق العمل للقضاء على البطالة من الجنسين، وشددت كذلك على ضرورة تمكين المرأة اقتصادياً لأن ذلك يساعد على الحد من ظاهرة عمالة الأطفال.

أمنيات كثيرة حملت بمجملها الدعوة ليحل السلام ويتوقف نزيف الدماء وتندمل جميع جروحنا في ربوع سورية في زمن تتألم فيه الإنسانية ويخبو فيه صوت الضمير، أملاً بأن يسود الخير بين السوريين ويزداد حبهم لبلادهم لنتمكن من صون وحدة سورية ونحافظ عليها من المؤامرات التي تحاك ضدها.

نتمنى ونحن على أبواب العام الجديد، أن لا يحمل المزيد من السوء للسوريين، إن لم يكن قادراً على تحقيق أمنياتهم وأهدافهم المشروعة.

العدد 1105 - 01/5/2024