استشر لتعمل!

لكلٍّ منّا حلمهُ وطموحهُ الخاص مذ كانَ طفلاً صغيراً، وكلّما كَبُر اعتقد أنّ طموحهُ يقترب من الوهم، فمنهم من يجدُ صعوبةً في تلقي المعلومات الصعبة والمتشابكة والمعقدة، ومنهم من يرى أنه مهما اجتهد في الدراسة فمن المستحيل أن يصل إلى ذاك المجموع الكبير من العلامات الذي يقارب التام ليحقق ما يبتغيه. ومن هنا نجد أن شبابنا بدأت ميولهم تختلف وتأخذ مساراً آخر.

في الاستشارات المهنية التي تقوم بها عيادات العمل جامعة دمشق عن طريق مستشاريها المختصين، نرى من خلال الاختبار أن ميول الشباب تأخذ اتجاهاً يحاكي الواقع. فنرى أن معظم الشباب من ذكور وإناث بدأت ميولهم تتجه للدفاع والإسعافات بسبب الاوضاع الامنية، أو باتجاه الموضة والموسيقا والتمثيل بسبب التأثير الإعلامي، والمعلوماتية بسبب العصر التكنولوجي الذي يعتمد على المعلوماتية في غالبيته…. وطبعاً هناك باقي الاختصاصات من تعليم وطب وهندسة وما شابه بنسبٍ متفاوتة.

يسأل المستشارون أولئك الشباب، فتكون إجاباتهم أن إمكانياتهم لا تسمح لهم أن يفكروا بغير هذا، فهم لا يستطيعون تحقيق هذه المعدلات الضخمة من جهة، وأيضاً بسبب الظروف المحيطة بهم من قتلٍ وسلبٍ وعدوان، فالخوف لديهم على الآخرين يتملكهم ويرغبون بحمايتهم لذا يرغبون الأمور الدفاعية.

وحتى الموضة والأزياء والفن وما شابه، ففيها من الخيال والإبداع والجمال الكثير، وفيها من العمل المنفرد أيضاً الكثير، والشباب مشتاقون للجمال واعتادوا التخفيف من العلاقات الاجتماعية، ولكنهم ما زالوا يملكون حس رؤية الجمال والفن على الآخرين، وبمهنتهم أو ميولهم هذا سيلمسون الجمال.

وأيضاً المعلوماتية التي تأخذ النسب الكثيرة، هي بسبب هذا التطور المعلوماتي الكبير من جهة، وبسبب إدخال المعلوماتية في كل مناحي الحياة من علم وتسلية وإبحار في عالم الدنيا وما شابه، وأيضاً للوجود بشكل شبه منفرد في كثير من الأحيان.

في تلك المهن نرى الكثير من الانفراد في العمل، اتخاذ القرار يكون غير واضح بسبب عدم وجود قرارات أصلاً في تلك المهن، نرى أيضاً البعد عن الآخرين، وبهذا تتجه رؤيتنا لتطوير مهارات الشباب في الحياة الاجتماعية والمهنية، طبعاً مع الحفاظ على أهمية وجود تلك المهن في حياتنا..

لكن السؤال الذي يطرحه الشباب غالباً، وخاصة على مهن كالدفاع والطيران والأزياء والرياضة…هو: وهل هناك مستقبل في بلدنا لمن يجد في نفسه رغبة في تلك المهن؟ هل هناك منهج دراسي يؤهله لتبني طموحه؟ أو أنها مجرد دراسة عابرة ليس فيها طموح أو مكاسب مادية تؤمن له الحياة الرغيدة؟!وما نفع ما أحب إن كنت لا أستطيع تطويره أو تبنيه أو دعمه؟ سؤالٌ يجعل الكثير من الشباب يحولون شغفهم إلى وهم، ويحاولون جاهدين الاستمرار في دراساتهم الحالية على أمل الوصول إلى هدفٍ ما. وهنا تكون مهمة المستشار ربط مجال دراسته بشغفه، وتحويل إحباطه من الواقع المهني والدراسي إلى طموح وهدف واستمرارية بخطط  وأهداف ذكية SMART ، مع تحليلٍ لكل خطوة من خطوات أهدافهم SWOT ، إضافة إلى الورشات التي عليهم متابعتها في عيادات العمل لتساعدهم على تطوير مهارات معينة، أو لتوضح لهم أكثر كيفية المسير باتجاه طموحهم، وأيضاً يساعد المستشار المستفيد بالتركيز على بعض القراءات التي عليه قراءتها لتساعده على توضيح نقاط الضعف التي يمكن أن تكون موجودة به. وفعلاً كانت الاستشارات هي نقطة تحوّل واضحة ومهمة للكثير من المستفيدين الشباب الذين تابعوا نقاط الاستشارة.

عيادات العمل في جامعة دمشق باختبارها وورشاتها تعدُّ نقطة تحوّل مهمة للشباب السوري الطموح والراغب بقراءة مستقبله المهني بحرفية وتميز.

العدد 1105 - 01/5/2024