التبرع بالأعضاء ليست مسألة اجتماعية فقط

بين ازدحام الطرقات وأزمة المرور واكتظاظ الإعلانات في شوارعنا، نصادف يومياً على جدران الشوارع ما يناشد الإنسانية فينا، فهنالك طالب لتبرع بكلية ما أو قرنية عينية لشاب مجهول أو فتاة صغيرة.

هي مجرد إعلانات لا تستدرك قلوبنا بقدر ما تستوقفنا نعوات لأسماء وأشخاص مختلفة. وهل فكر أحدنا في لحظة ما باحتمال أن تكون هذه النعوة قد ناشدت الإنسانية سابقاً بكلية أو قرنية ثم تحولت المناشدة إلى نعوة وفاة؟ وها قد بقيت المناشدة الإنسانية مجرد إعلان على الجدران؟

ولما من أهمية على المستوى الطبي العالمي لزراعة الأعضاء البشرية، بات نجاح هذه العمليات أمراً مفيداً للمرضى، ليس فقط لإعادة نشاطهم الطبيعي الحياتي، بل أيضاً لما يختصره ذلك من تكاليف باهظة، فيما لو استمر المريض في ممارسة علاجه. وقد ظهرت أولى عمليات الزرع في سورية عام ،1985 وكانت البداية في مشفى المواساة الحكومي، ثم انتقلت الخبرات من مشاف حكومية إلى مشاف خاصة، وتطورت من عملية زراعة الكلية إلى عمليات زراعة قرنيات عينية.. وبالرغم من أن عمليات الزراعة ظهرت بشكل محدود، إلا أن الحاجة لعمليات زراعة البنكرياس والقلب والرئتين وغير ذلك تبقى غير متوفرة لعدم توفر الإمكانيات البشرية أو ثقافة التبرع في المجتمع.

أما من الناحية التشريعية والقانونية: فقد ورد في القانون السوري مفهوم التبرع بالأعضاء بالمرسوم التشريعي رقم 30 لعام ،2003 وجاء هذا المرسوم خاصاً بالتبرع بالأعضاء وجمع مواد مختلفة مابين تحديد الأشخاص الذين يحق لهم التبرع بالأعضاء، وتجريم عمليات الاتجار بالأعضاء، وتنظيم عمليات زرع الأعضاء ونقلها… وماهنالك من تغراث طبية تحمل مسؤوليات قانونية… فقد جاءت بعض مواد نصوصه القانونية كالآتي: إن تحديد الأشخاص الذين لهم الحق في الموافقة على التبرع بالأعضاء من جثة شخص متوفى قريب منهم تكون مابين:

ا- قرابة الدرجة الأولى.

ب- قرابة الدرجة الثانية في حال عدم توافر قرابة من الدرجة الأولى، وذلك في المادة 3 من المرسوم.. أما فيما يخص عمليات الاتجار بالأعضاء فقد وردت في المادة 7 من القانون وهي:

يعاقب كل من يقوم بالاتجار بنقل الأعضاء بالأشغال الشاقة المؤقتة (وتتراوح مدتها بين 3 سنوات و15 سنة) وبالغرامة من 50 إلى 100 ألف ليرة سورية، أي أن المشرع السوري قد عاقب في هذا المجال كل من يخالف أحكام القانون المتعلق بنقل الأعضاء وزرعها بالغرامة من 50000 إلى 10000 ليرة سورية بموجب نص، وذلك في المادة 7/أ منه، ويشمل هذا المنع بشكل خاص أعضاء الفريق الصحي الذي له علاقة بعملية نقل الأعضاء وزراعتها، وهذه العبارة الخاصة بأعضاء الفريق الصحي جاءت مطلقة حيث لا تشمل فقط أعضاء الفريق الصحي، وإنما كل شخص ثبت أنه خالف أحكام هذا القانون. وبالتالي يُحسب لهذا القانون أنه حرّم الاتجار بالأعضاء البشرية، ونرى أنه لأوّل مرة بنص صريح وواضح في التشريعات السورية، يتم تجريم تجارة الأعضاء. ومن حيث التبعات والمسؤوليات القانونية للأطباء ورد ما يلي: إن التزام الطبيب بإعلام المتبرع بالنتائج المترتبة على التبرع، ومسؤوليته الطبية من حيث تنبيه المتبرع إلى خطورة العملية ونتائجها الملقاة على عاتقه لم تكن واضحة ومباشرة مابين النصوص القانونية، إذ ليس هنالك وضوح صريح ومستنير عن رضا المتبرع بإجراء العملية، ولعل المشرع ترك ذلك متبعاً بالمسؤولية المسلكية للطبيب ومن واجباته المهنية، وأيضاً ليس هنالك تفسير عن كيفية نقل الأعضاء بين الموتى، حيث جاءت المادة 5 من القانون الجديد لنقل الأعضاء من المتوفى التأكد من حالة الوفاة وفقاً للتعليمات الصادرة عن وزارة الصحة، وهي ملتبسة فيما بين حالتين، إذا كان توقف القلب هو معيار الوفاة أم الموت الدماغي، وذلك وفقا للتشريعات العالمية.

ختاماً: هنالك أمل في أن تسعى الجهود القانونية إلى وجود مركز قانوني لزرع الأعضاء والتبرع بها، وتكون من مهام هذا المركز الإشراف على العمليات، وفي فرنسا هناك قانون ينص على اعتبار كل مواطن في حال وفاته متبرعاً إلا في حال امتلاكه لوثيقة تثبت بأنه غير راغب بالتبرع.

أما في سورية فهناك قانون يشرعن التبرع، لكنه يترك الحبل على الغارب، فلا يشترط صلة قربى ولا حتى وفاة ليبقى التبرع في بلدنا مرهوناً بثقافة مؤجلة، وتعديل قانوني جديد ينظر بعين المنطق والإنسانية، فالمواطن محكوم بالأمل، وهل هناك من ينصفه؟

العدد 1104 - 24/4/2024