عن مقولات الشخصية النسوية في الرواية من «ياطر» حنا مينة إلى «خيول» أحمد يوسف داؤود ومابينهما

تعددت الطريقة الإبداعية في رسم الشخصية الروائية، ومعنى هذا ان صورة المرأة في مسيرة هذا النوع الأدبي – الرواية- وإن صحّ أن نفصلها عن مسار الشخصيات الأخرى، ستضعنا أمام مجموعة من الأسئلة الفرعية المتصلة بطبيعة تلك الصورة، وبدورها في توجيه الأحداث وبأهمية أن تكون المرأة بطلة الرواية، أو الشخصية الفاعلة فيها، ولعل الأدعى إلى التساؤل المنهجي أن نعرف أن كان لموضوع الرواية  علاقة قوية بإبراز صورة المرأة دون غيرها.

فهل من الضروري أن نجعل مجرد وجود شخصية نسوية في الرواية معياراً لاستقصاء معالم الصورة المذكورة، أم علينا أن نعتمد أساساً أدق؟ واستناداً إلى ماسبق يرى الناقد علي نجيب ابراهيم – في حوار لي معه- إن أبواب التصنيف مفتوحة على أفق لانهاية له، فحتى في مجال رواية واحدة توجد أنماط متفاوتة للمرأة، وفي هذا المجال يورد الناقد ابراهيم عشرات النماذج لصورة المرأة في الرواية السورية.

نساء حنا مينة

فرواية (الياطر) لحنا مينة (دمشق 1975) وفيها تعادل صورة المرأة حالين من أحوال تطور شخصية البطل (زكريا المرسلني) حال الانحطاط الغريزي الذي لاتعدو المرأة معه أن تكون (فجوة ذات حرارة) وحال التأمل الجمالي الذي يرفعها إلى فضاء اللوحة الفنية، كما أن صورة (أم حسن) زوج بطل (الشراع والعاصفة) بصورة زكريا بطل الياطر، وإلحاق (ماريا) الحبيبة الرومانية بصورة الراعية التركية حبيبة زكريا، غير أن المرأة في الرواية الثانية تكاد تكون هامشية وعديمة الأثر في حركة الأحداث.

المشهد سيتنوع في استعراض الشخصيات النسوية في الرواية السورية، ففي رواية (قلوب على الأشواك) لعبد السلام العجيلي، تنوعت العلاقات الغرامية للبطل (طارق عمران) تبعاً لتنوع النماذج النسائية ومواقفها من إقامة (تلفريك) يصل قمة جبل قاسيون بساحة الأمويين في دمشق: فثمة نهاد البرجوازية، وماجدة المراهقة، وهدى السكرتيرة الغامضة، وصفية المثقفة ذات الميول الاشتراكية، إلا أن هذه النماذج سرعان ماانكفأت أمام مشروع التلفريك الذي نجم عن انهيار الوحدة بين سورية ومصر، أي أن العجيلي وظّف صورة المرأة وسيلة من وسائل الإبانة عن هذه الحقيقة.

نساء النساء

مثال آخر من رواية (الخيول) لأحمد يوسف داوؤد، إذ تظهر صورة المراة الريفية عبر ثلاثة أدوار: الشخصية الميتة التي تمثلها (سعدى) الساذجة السلبية غير القادرة على إدراك نوايا المشعوذ (حسين السعدي) مما أوقعها في شباك شهواته، وبالتالي كان لابد من موتها خشية الفضيحة، والشخصية ذات الوعي الناضج المتمثلة ب(أم حامد) الشجاعة المدافعة عن حقوق الفلاحين، والشخصية الذرائعية المعهودة في امرأة تحفظ خط الرجعة حيث تختلف مع زوجها وتخونه مع (المشعوذ) وتجبر الأخير على الزواج منها.

في المقلب الآخر، وفي الروايات النسوية – التي كتبتها نساء- وفي مفهوم الحرية الإبداعية لكل كاتبة، سنلاحظ مقولة إضافية ستتكون، ونواتها درجة إقناع الشخصية النسوية، وها هنا نجد (رشا) بطلة رواية (ليلة واحدة) لكوليت خوري تخترق ثوابت المجتمع، حيث يكون المنظور الذاتي طاغياً، وهو الطغيان ذاته الذي يطبع رواية (أيام معه) لخوري أيضاً، فالبطلة (ريم) تبحث عن فرديتها الحرة خارج إطار العلاقة الاجتماعية المعهودة.

حمى بعض ملامح صورة المرأة تكثر في الرواية السورية، وإن بقليل من التنوع، وعرضها لتوخي الدلالة على ضرورة تصنيفها – كما يرى الناقد ابراهيم في ذلك الحوار- نمذجتها وفق خطة منهجية من شأنها أن تؤسس معجماً للشخصيات النسوية الروائية، الأمر الذي يغذي أعمالاً نقدية كثيرة .

العدد 1105 - 01/5/2024