«بتندم»!

(مهداة إلى صاحبة أغنية «بتندم»، المطربة «وداد»، الباقية فنياً: مغنىً وفنّاً وحضوراً)

قارئتي العزيزة..

قارئي العزيز..

هل صار أن ندمتما على فعلٍ أو قولٍ بدر منكما؟

هل صار أن ندمتما على فعل أو قول، لأنكما لم تفعلاه أو تقولاه؟

لم يكن طرح سؤالي هنا، من باب جهلي الإجابة (التي أعرف سلفاً أنها ستكون: نعم، صار وحصل). بقدر ما هو بقصد تأكيد تلك الإجابة، لاسيما أن الأمر قد يحدث لأيِّ منّا مرّات ومرّات، في اليوم الواحد.فما بالك – بكسر الكاف وفتحها – في شهور عمرنا وسنينه، طال ذاك العمر أو قصر؟

أما طبيعة الندم.. ماهيته.. وأي الندمين أمظّ وأقسى على النادم:

الندم على القول والفعل؟

أم الندم على عدمهما؟

فلعل الاحتمال الثاني، على عكس ما يبدو لنا من النظرة الأولى، هو الأشد حسرة ومظاظة.. لأننا في حال قمنا بالقول أو الفعل، نكون حسب الحديث الشريف، قد اجتهدنا (فمن اجتهد وأصاب، له أجران، ومن اجتهد ولم يصب، فله أجر واحد).

 

(2)

للندم لجهة مصدره أنواع:

– القيمي (وهو ما يصدر عن الفعل)..

– العاطفي (ما يصدر عن المشاعر)..

– والتأنيبي (ما يصدر عن الضمير)..

كما ينقسم الندم، حسب شارته إلى قسمين اثنين:

– ندم إيجابي، ويمكننا أن ندعوه بالنافع، لأنه يساعد النادم، في عدم الوقوع لاحقاً، فيما وقع فيه سابقاً من أسباب الندم.

– وندم سلبي، وهو ما يمكن تسميته بالندم الندبي، إذ لا ينفك النادم طوال ما يتلو من حياته، يندب حظه، على ما بدر منه من دواعي الندم، لكن من غير أن يستفيد من أخطائه السابقة.

 

(3)

لئن انتظم الندم، سائر البشر، صغاراً وكباراً.. بسطاء وعقلاء، ورجالاً ونساءً، فلا شك أن وطأته تكون أحرق وأعمق، على الفنانين والمبدعين، على ائتلافهم واختلافهم، على عكس المجرمين، ومَنْ في حكمهم من الشاذين، الذين لا يمتون إلى إنسانيتهم بصلة، سوى صلة اسم على هوية، ويبزون الوحوش بوحشية أفعالهم!

 

(4)

مثلما تتبع الصفة الموصوف، جراً ورفعاً ونصباً، تتبعه أيضاً نبالة ورذالة. فمن نبيل الندم تمثيلاً لا حصراً، أن يندم أحدنا مدى حياته، على كلمة أو جملة نابية، وجهها في طفولته، لأحد أفراد أسرته، دون أن يعرف معناها آنذاك..

أن يندم شاب بعد رحيل أمه، على تكرار ردّه عليها، كلما تمنت عليه أن يتزوج، كي ترى أولاده (يكرجون) خلفه، قبل أن يستدعيها الباري إلى جواره، بقوله: وما أدراك أني لن أموت قبلك؟ علماً أنه لم يتقصد إغضابها.. وفي عداد الندم النبيل أيضاً، ندم قروية جميلة، لدى سماعها نبأ استشهاد أحد شبّان ضيعتها، دفاعاً عن عناصر مجموعته في وجه المسلحين التكفيريين.. الشاب ذاته، الذي كانت قد صدمت بغرورها جرأته قبل أيام، عند إعرابه لها عن إعجابه بتقدم جيوش جمالها، على جميع جبهات جسدها!

أما الندم الرذيل، فيندرج في خانته، ندم سائر شذاذ الآفاق و الطغاة والقتلة والعملاء، والخونة وسماسرة القيم والأرض والعرض.

يندم هؤلاء على ما لم يكملوه من موبقات وجرائم..

ما لم يجهزوا عليه من ضحايا..

و ما لم يُتح لهم إنجازه من صفقات ومؤامرات وما إليها!

 

(5)

ختاماً واستبعاداً للندم غداً، إذا ما رأيت أسطري هذه منشورة، من دون ذكر دافعي المباشر لكتابتها، أقرّ هنا وأعترف، أنني قد قمت وأنا بكامل ذهاب قواي الصحية والعقلية، أدراج عصف رياح الحرب الكونية بوطننا السوري.. قد قمت ببناء معماري الكتابي الذي رهن قراءتكما، على أنقاض خبر، وصلني على صفحة إحدى الجرائد المحلية، مفاده:

أن الممثلة العربية المصرية (زبيدة ثروت) تعاني الآن في الثمانين من عمرها، نوعاً من الاكتئاب والندم، إثر علمها مؤخراً، أن رقة مشاعر عبد الحليم حافظ، وشدة حيائه، لم يسمحا له، بإعلان حبه لها، وتطلّعه للاقتران بها، مباشرة: قلباً لقلب ووجهاً لوجه.

  لذا فقد توجه إلى والدها، الذي صوب إليه نار جوابه قائلاً: كان بودّي يا عبدو.. لو لم تكن مغنَّواتي!

ترى.. بما عسانا نصف أو نسمي، ندم خضراء القلب والعينين، على ما حلّ بالعندليب الأسمر، مما لم يكن لها فيه يدٌ ولا جمل؟!

العدد 1105 - 01/5/2024