الفقر بين العدالة الاجتماعية والقانون

العدالة من أسمى وأقدم الفضائل الإنسانية، فهي رغبة الإنسان في إحقاق الحق ورد الظلم في كل زمان ومكان، نص عليها الدستور، وصاغتها التشريعات القانونية، فهي غاية وجوهر القانون، وأساسها المساواة المرتبطة بالدور الاجتماعي للقانون، من أجل محو الامتيازات الخاصة وأي فوارق مصطنعة بين أفراد المجتمع، وقد ترسّخت في مضمون العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن لحماية واحترام حقوقه، مثل حق الحياة والحرية والمساواة والعمل والتعليم، وعدالة توزيع الدخل والثروة من أجل حياة كريمة.

وهذا ما يقتضي من الدولة والحكومة والمجتمع المدني إرادة حرّة وواعية.

لكن القوانين والسياسات وحدها ليست كافية لتحقيق العدالة الاجتماعية، بل تحتاج إلى آليات وسبل لتطبيقها على أرض الواقع الذي غُيّبت عنه العدالة قسراً مما أدى إلى اتساع الفجوة بين الحكومة والمواطن، وبين الغني والفقير في ظل تزايد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والصحية، والتي ساهمت في زيادة الفقر، وانخفاض مستوى المعيشة، وارتفاع معدل البطالة والتضخم والفساد، وتراجع الدور الاجتماعي للدولة الذي أفرز تمايزاً اجتماعياً عزّز اللامساواة بين أفراد المجتمع. يحمل الفقر معانٍ واتجاهات مختلفة مادية اجتماعية ثقافية، وهو مرتبط أيضاً باستئثار قلّة قليلة بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية والموارد المتاحة على حساب الفقراء.

الفقر ليس اختيارياً، بل هو استبعاد قسري للغالبية ناتج عن تطبيق الشرائع والقوانين التي ساهمت في ازدياد نسبة الفقراء.

 ونتلمس ذلك في أغلب القوانين ومنها:

 – قانون التعليم الإلزامي الذي لم يستطع منع التسرب المدرسي، ولم يستطع تقييد حرمان غالبية الفتيات من إتمام تعليمهن بسبب العادات والتقاليد، وهذا ما يساهم في خلق فئات من المجتمع ستكون عالة عليه لا محالة.

– قانون حظر تشغيل الأطفال دون سن الخامسة عشرة، الذي كان الفقر والجهل سببين في خرقه من جهة، ومن جهة أخرى جاء استغلال أرباب العمل لهؤلاء الأطفال المحتاجين ليُدعّم خرق القانون.

– قانون منع التسول الذي جرّم التسول وقيّده بعقوبة الحبس مع التشغيل مدة سنة. لكننا نجد أن التسول أصبح مهنة ومصدر رزق، مما شجع العاطلين عن العمل على التسول.

– قانون الرسوم والتأمينات والنفقات القضائية رقم/27/ خالف المادة /28/ من الدستور (حق التقاضي)، مغلقاً أبواب المحاكم في وجه الفقراء، وهذا ما ساعد هوامير الفساد على سلب ما تبقى لهؤلاء المستضعفين من حقوق.

– قانون العمل بمواده الخلاقة الذي شرعن التسريح التعسفي في المادة/65/ منه، مما حرم نسبة كبيرة من فئات الشعب لقمة عيشها.

– قانون الإصلاح الزراعي الذي شطب أسماء فلاحين من محاضر أجور المثل وعقود الإيجار وتسديد قيمة الأرض دون سندات تمليك، مما سلب طبقة من المجتمع مصدر عيشها.

– قانون الاستثمار الذي كرّس الاستثمارات الخدمية وأهمل الصناعات التحويلية التي يجد فيها خريجو الجامعات والمعاهد منفذاً لتأمين مورد رزق لهم.

– قانون المصارف الذي حارب المشاريع الصغيرة التي من المحتمل أن تحسّن مستوى دخل الأسرة، وخلق فرص عمل لفئة لديها طموح في تحسين أوضاعها.

– قانون الجمعيات السكنية الذي كان غطاء لجامعي الأموال ونهب وتحطيم أحلام المواطن لتأمين مسكن يليق به، مما ساهم في إحجام الناس عن استثمار أموالهم في ظل غياب دور الدولة بتأمين مسكن.

– قانون الأحوال الشخصية لم يستطع حماية الفتيات من الزواج المبكر وحرمانهن من الدراسة كي تكنّ فاعلات في المجتمع على كل المستويات. كما أنه لم يستطع رفع الحيف عن المرأة في ظل شرعنة استبداد الرجل، مما يجعلها عبئاً على الرجل والمجتمع.

– تشريعات العمل التي لم تستطع خلق التوازن بين قوة العمل ومتطلبات السوق، وبالتالي تدني أجور اليد العاملة.

وهناك العديد من القوانين التي أدّت بطريقة أو أخرى إلى زيادة الفقر والبطالة والفساد.

فتراجع دور الدولة اقتصادياً واجتماعياً، مع تزايد دور قطاعات طفيلية غير حكومية، ترك أثراً سلبياً على مستوى معيشة الفئات الفقيرة والمتوسطة وتزايد الفوارق بينها وبين الفئات المستفيدة.

إن مكافحة الفقر والتهميش تكون من خلال سن قوانين جادة للقضاء على الفساد والمفسدين في جميع مفاصل الدولة، وإعادة توزيع الدخل الوطني بين الفئات الاجتماعية وخاصة الأقل دخلاً،  فالقضاء على الفقر ضرورة أخلاقية وسياسية واقتصادية تقتضي الإسراع في مخططات التنمية الاقتصادية المستدامة. والعدالة الاجتماعية هي سياسة لطريق الأمل والتقدم والتوازن والسلام الاجتماعي والأمن القومي، لكنها لا يمكن أن تتحقق إلاّ من خلال بناء الثقة بين الحكومة والمواطن،  وخلق المحبة والعدل والمساواة بين جميع المواطنين لخلق مجتمع راق منفتح متقدم لا وجود للفقر فيه.

العدد 1105 - 01/5/2024