هل يصمد دخل المستهلك أمامه؟ موسم المونة يستقبل المستهلكين بارتفاع الأسعار

موسم المونة بدأ، والأسعار أخذت بالارتفاع، ومن المعروف أن التحضير لموسم المونة يستهلك الكثير من الدخل، ولكن كيف واجه المواطن هذا الموسم، وخاصة أن الدخول أصبحت ضعيفة، والكثير من المواطنين باتوا في قائمة العاطلين عن العمل؟

أسواق المونة

أجرت (النور) جولة على أسواق الخضار والفواكه لتقارن بين أسعار المواد التي تموّن حالياً مع أسعارها العام الماضي، فالفول كان ب25 ليرة وأصبح ب ،65 والبازلاء كان ب 35 ليرة وأصبح ب 70 ليرة، والخيار كان ب 35-50 ليرة وأصبح ب 120-160 ليرة، في حين تراوحت أسعار هذه المواد في عام 2011 بين10و15 ليرة للكيلو. أما الكوسا فكان سعرها في العام الماضي مابين 40-60 ليرة وحالياً 90 ليرة، وكان منذ فترة 120 ليرة. أما البندورة فكانت ب 20-30 ليرة وسجلت أسعاراً مخيفة وصلت إلى 120 ليرة، ثم عادت وانخفضت إلى 60-55 ليرة.. أما بالنسبة للفاصولياء فقد كان سعرها 90 ليرة وانخفضت إلى 40-50 ليرة، أما في العام الحالي فبلغ سعرها 200 ليرة، وعادت وانخفضت إلى 150 ليرة.. وبالطبع هناك أنواع من الفواكه والخضراوات مازالت في طريقها إلى التموين مثل المشمش من أجل العصائر، والفريز وورق العنب والباذنجان وغيرها.

مستهلك: الأسعار المرتفعة أثرت علينا… والراتب لن يستطيع التحمل

يقول أبو رائد ل(النور) إنه كان يشتري الفول والبازلاء للمونة بكميات تكفي طوال فترة الشتاء، ولكن حالياً وجد أن ذلك يصعب تحقيقه، فارتفاع أسعار هاتين المادتين جعلني أخفض الكمية، فقد كانت تبلغ العام الماضي 43 كيلو للفول ومثلها للبازلاء، أما حالياً فإنني سأشتري نصف الكمية.

والسبب في انخفاض الكمية وفق أبو محمود، هو ارتفاع الأسعار الذي طال معظم السلع، بدءاً من فرشاة الأسنان إلى الشقق السكنية، لافتاً إلى أن الأسعار المرتفعة أثرت على الأسر من ذوي الدخل المحدود. فأنا موظف- يقول أبو محمود- وزوجتي لا تعمل، وبالتالي فإن الراتب لن يستطيع تحمل عبء المونة وعبء الأسعار المرتفعة. فدائماً يوجد أوّليات لأي أسرة، فأنا أجمع النقود التي أحتاجها لموسم المونة منذ عدة أشهر، أُموّن المال قبل عدة أشهر من موسم المونة لأنفقها على موسم المونة، وهذا الأمر ضيّق علينا مدخولنا الشهري، ولكن ليس باليد حيلة.

انخفاض الطلب على مواد المونة

وسألت (النور) أحد البائعين في سوق الإطفائية بدمشق فقال: (غلاء المواد الغذائية من خضراوات وفواكه وسمون وزيوت وغيرها أثر سلباً على حركة البيع)، وأكد أنها لو كانت رخيصة لكان البيع أفضل كما في السنوات الماضية، ولكن القدرة الشرائية وفق ما يراه يومياً من المشترين ضعيفة جداً، والكميات التي تُشترى قليلة مقارنة بالأعوام الماضية.. فمن الذي كان يموّن 20 كيلو من البازلاء، أصبح نتيجة ارتفاع الأسعار يموّن ربع أو نصف هذه الكمية. وكذلك الأمر لباقي السلع، أي أن المدخول الشهري للأسر تأثر ولم يعد يوجد لديها هامش مادي تتصرف به بحرية. ولفت إلى أن بائع الخضار والفواكه يدفع تكاليف باهظة، وخاصة أن أجور النقل طرأ عليها ارتفاع، فالحمولة التي كانت تكلف 2000 ليرة للطن، أصبحت تكلف ستة آلاف ليرة، كما أن المزارع تكلف على إنتاجه، فالمازوت مرتفع ومستلزمات الإنتاج الزراعي مرتفعة من أسمدة وغيرها، وكل ذلك أثر على تكاليف المنتج الزراعي فأثر أيضاً على سعره وعلى المستهلك والبائع.

جمعية حماية المستهلك: أسعار مواد المونة تضاعفت

وأوضح عدنان دخاخني، رئيس جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها، في تصريحه ل(النور)، أن منتجات المونة من الخضار والفواكه موجودة في الأسواق وبوفرة، ولكن الأسعار تضاعفت. فمثلاً معظم المستهلكين حالياً يتجهون لتموين الفول والبازلاء، إضافة إلى بعض الفواكه، ولكن عند مقارنة الأسعار الحالية بأسعار العام الماضي، نجد أنها تضاعفت، وهذه الأسعار جعلت المستهلك  يعزف عن شراء الكميات التي كان يشتريها في السنوات السابقة، فالذي كان يشتري 50 كيلو من الفول أصبح حالياً يشتري 10 كيلوات فقط، كما أن المستهلك لم يعد باستطاعته التخزين لأن لديه ثقة كاملة بأنه لن يستعمل ما سيخزنه من المونة، وذلك نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المتكرر.

الإقبال على موسم المونة سينخفض كثيراً

ولفت دخاخني إلى أن الحالة المالية للمستهلك أصبحت في أزمة حقيقية، عدا أن الكثيرين من المستهلكين فقدوا أعمالهم، وخاصة الحرفيين والعاملين في القطاع الخاص. وأكد أن موسم المونة الحالي سينخفض الإقبال عليه بنسبة 70% مقارنة بالأعوام السابقة. إذ بات المستهلك لا يعلم ما يشتري، فجميع السلع ارتفعت أسعارها.. وبالطبع فإن المواد الأساسية للمستهلك تتآكل يوماً بعد يوم، نتيجة ارتفاع الأسعار الكبير، الذي فاق دخله الثابت والمتناقص، مشيراً إلى أن القدرة الحقيقية للدخول في شراء الحاجيات انخفضت إلى نسبة 35%، أي أنها فقدت 65% من قدرتها الشرائية نتيجة ارتفاع سعر الصرف وانخفاض قيمة الليرة.

وأكد رئيس جمعية حماية المستهلك أن العوامل السابقة تعبر عن مشكلة يجب إيجاد حل لها، وهذه مهمة اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، بحيث يكون الحل مساعداً لذوي الدخل المحدود. ويفترض بالمخطط الاقتصادي أن يكون داخل السوق لكي يشاهد الواقع والإنتاج والقدرة الشرائية للمواطن وكيفية التعويض له، فعندما يدفع المواطن الضرائب يجب أن يكون هناك دعم حكومي مقابله.

خبير اقتصادي: معظم المواد الغذائية ثبت سعرها على مستوى مرتفع

بالمقابل أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف في تصريحه ل(النور)، أن المستهلك غيّر ثقافته الاستهلاكية، نتيجة ارتفاع أسعار معظم السلع في الأسواق، وأصبح يشتري ما يلبي حاجته اليومية من السلع الاستهلاكية، لافتاً إلى أن تغيير العادة الاستهلاكية كان له جانبان سلبي وإيجابي. أما الإيجابي فقد حدّ من هدر المواد الغذائية الذي كان يشكل نسبة لا تقل عن 30% لدى المستهلكين. وأما الجانب السلبي في تغير العادة الاستهلاكية فهو أن المستهلك أجبر على تغيير عادته الاستهلاكية نتيجة ارتفاع الأسعار. وأضاف: (إن كل ما سبق أثر على موسم المونة الحالي الذي تشهده أسواق دمشق وريفها، فقد كان المستهلك يموّن المواد الغذائية في الصيف لكي لا يتعرض لارتفاع أسعارها شتاء، إلا أن معظم المواد الغذائية حالياً ثبتت أسعارها على مستويات مرتفعة، وبالتالي فإن المستهلك لم يعد بمقدوره أن يخزن السلع لضعف قدرته الشرائية، إذ إن موسم المونة يتطلب تكاليف مادية باهظة).

وذكر الخبير يوسف مثالاً على ذلك قائلاً: (أصبح راتب الموظف الحالي لا يشتري 100 كيلو من البندورة، في حين كان سابقاً يشتري طناً منها).

تعليق: ضرورة دعم الليرة ودخل المواطن

إن موسم المونة هذا العام لن يكون كسابقاته في الأعوام الماضية، فهناك عدة اعتبارات جعلت المستهلك يتردد كثيراً قبل تفكيره في تموين أي مادة غذائية، وأولها غياب عنصر الأمان وانقطاع التيار الكهربائي والخوف من ساعات تقنين طويلة في الصيف الحالي، إضافة إلى ارتفاع أسعار معظم مواد التموين مقارنة بالأعوام السابقة.

ولا يخفى على أحد أن الوضع الاقتصادي لمعظم الأسر أصبح صعباً في ظل عملقة الأسعار واستمرار انخفاض القوة الشرائية للدخل. وهنا نعود ونؤكد أهمية وضع حد لانخفاض سعر الصرف، ومكافحة المضاربين ودعم الليرة ودخل المواطنين قدر الإمكان، وعدم التهاون مع المتلاعبين في أقوات المواطنين، وخاصة في ظل هذه الظروف.

العدد 1104 - 24/4/2024