الأم السورية تقدم أبناءها قرباناً ضد الإرهاب والعنف

عام جديد يمضي والفرحة غائبة عن أمهات سورية في عيدهن بسبب الأزمة العاصفة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من أربعة أعوام.. أعوام حملت بين أيامها قصص نساء عانين من القهر والعنف الجنسي والمجتمعي والأسري، قصص لا تعرف إلا طريق انتهاك كرامة المرأة وسلب حقوقها، لتجد المرأة السورية نفسها مجردة من الكثير من حقوقها التي منحها لها الدستور والقانون السوري والشرائع الدولية، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون على الرغم من وجود ثغرات في بعض المناحي.

أربعة أعوام من الحرب قدمت فيها أمهات سورية أبناءهن وأزواجهن قرابين على مذبح العنف المتفجر في البلاد، فأدخلت الحرب الأم السورية في دوامات عديدة، من فقدان أبنائها أو زوجها، خطفاً أو تعذيباً أو قتلاً أو استشهاداً أو… ومن ناحية أخرى حوّل فقدان المرأة لأسرتها، وتدمير منزلها إلى لاجئة أو نازحة تنشد الأمان، الأمر الذي وضعها في بازار المساومات، فتم ابتزازها واستغلال ظروفها المريرة.

لقد عانت نساء كثيرات من القتل والاغتصاب، والخطف والتعذيب، بذريعة تطبيق الدين تارة والعرف والعادات تارة أخرى، وهو ما حمّلها أعباء جديدة وزاد من انتهاك كرامتها وأنوثتها وحقوقها التي يسعى الكثيرون لإلغائها، والأرقام التي تعبر عن ذلك مخيفة وتنذر بكارثة اجتماعية في المستقبل القريب، فقد قدرت مؤسسات حقوق الإنسان عدد الأرامل السوريات مثلاً بنحو عشرات الآلاف، تزامناً مع ارتفاع نسبة اليتم والكثير من القضايا التي ستولد ظواهر وأمراضاً اجتماعية خطيرة كارتفاع نسبة عنوسة الفتيات بفعل الموت اليومي للرجال، وتدهور الحالة الاقتصادية للشباب، الأمر الذي كان له أثر كبير في ازدياد حالات الهجر والطلاق.

لكن معاناة الأم لم ولن تنتهي بفقدانها أطفالها أو زوجها، إذ أنها تجد نفسها فجأة وحيدة في مواجهة ظروف حياة قاسية تزيد الحرب من وطأتها يوماً بعد يوم، وتمسي مسؤولة عن تأمين لقمة العيش لها ولأطفالها.

إن المعاناة اليومية التي تعيشها الأم السورية من حزن وقلق وتوتر، تزيد من مكابدتها الإنسانية وظروفها الصعبة التي ستنعكس بشكل كبير على الأبناء الذين يدفعون ثمناً مضاعفاً بسبب مقاساتها، وغالباً ما تولد لديهم مشاكل نفسية.

إن الأم السورية لا تحتاج اليوم في عيدها لورود وكلمات رنانة وعبارات معايدة منمقة، ولا إلى شجب الانتهاكات وإجراء الندوات واللقاءات التي لم ولن تتمكن من جمع شمل أم مع ابنها المفقود..، بل تحتاج إلى وقف شلال الدم، وعودة ما تبقى من أبنائها أحياء إلى بيوتهم، ولو أن الحرب تركت أثرها في أجساد البعض وأحلام البعض الآخر، وذلك من خلال المضي قدماً صوب الحل السياسي الضامن لوقف العنف بالتزامن مع السعي الحثيث لإنجاز المصالحات الوطنية، والعمل الجاد على تفعيل إجراءات حماية المرأة وصون حقوقها، ووضع الحلول الناجعة لكافة المشاكل التي أفرزتها الأزمة وباتت ظاهرة خطيرة كحال أمهات سوريات أنجبن أطفالاً في ظل الأزمة ولم تتمكنّ من تسجيلهم بعد، كحال كثيرات في المخيمات أو المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة، وغيره الكثير، فالمرأة عامة والأم السورية خاصة تحتاج إلى التمكين والنهوض بها قبل أن نردد مع حافظ ابراهيم:

الأم مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا ..|.. أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيِّبَ الأعراق

العدد 1105 - 01/5/2024