أعلام في السياسة والأدب والفن

 أول ما تبادر إلى ذهني عندما أنهيت قراءة كتاب (أعلام في السياسة والأدب والفن) هو أين الشخصيات الوطنية اليوم التي تضاهي وتماثل أولئك الرواد شكيب أرسلان، رشيد طليع، أسمهان، سلامة عبيد، صياح الجهيم؟ وأين هو المثقف الحقيقي القادر على حمل أعباء المرحلة ونشر الفكر العلماني التنويري المناهض للاستبداد والاستعمار؟ هل انقطع حضورهم فعلاً؟ أم أنهم حاضرون لكن فعلهم غائب؟

 فبين دفتي الكتاب ما يلقي الضوء على سير هؤلاء التنويريين بشكل مكثف ومختصر، وأول من يبتدئ به:

الأمير شكيب أرسلان

(1869-1946)

ابن الشويفات الذي قال عنه جمال الدين الأفغاني: (إني أهنئ أرض الإسلام التي أنبتتك)! والوقائع التي نشهدها اليوم، كان ما يشابهها في الأمس، فكما أن هناك قسماً من السوريين يراهن على دور الدول الغربية في إنهاء الأزمة السورية، نجد على غراره من دعا ذات يوم لعقد المؤتمر العربي الأول في باريس 1913 لبحث العلاقة بين العرب والأتراك، فكان رأي الأمير أرسلان (إن الذين ذهبوا إلى باريس هم إخواننا، وليس بيننا وبينهم شخصياً أدنى سبب يوجب الجفاء، ولكننا خالفناهم في ذهابهم إلى باريس وعقدهم مؤتمراً كهذا، ونقمنا عليهم اشتراكهم في هذا العمل، مع أناس لم يكونوا ليريدوا فعلاً استقلال سورية).

رشيد طليع (1876-1926)

ابن الشوف، وهو من شغل وزارة الداخلية في عهد حكومة الفيصل 4آب 1919 وبعد رحيل فيصل من سوريا انتقل إلى الأردن وقام بتأليف حكومة بأوائل نيسان 1921. وبسبب تصديه للسياسة الانجليزية وفرضها الوصاية على الأمير عبد الله ، ونتيجة وقوف رشيد إلى (جانب أبناء سورية في كفاحهم الوطني من أجل الحرية) قال يومها حين طُلب إليه حل حكومته،كلمة حق لا تزال أثارها باقية إلى اليوم موجهاً خطابه للأمير: (سيأتي يوم تُفرض عليك الحكومات، وأسماء وزرائها فرضاً). وبعد بيان قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش 23 أب 1925 (أستنصركم لحكومة الجهاد الوطني.. أناديكم من معاقل الجبل المنيع.. أن هُبّوا إلى المنافحة عن وطن آبائكم وأجدادكم) استجاب رشيد طليع لصوت النفير ودخل غمار الثورة إلى أن وافته المنية في بلدة الشبكي.

 أسمهان (1912-1944)

ابنة جبل العرب ومن سلالة زعماء الأسرة الطرشانية وزوجة الأمير حسن الأطرش.. أدت دوراً بارزاً أيام حكم ديغول، فقد (كان ديغول قد وضع بالتنسيق مع حكومة تشرشل خطة لاجتياح سورية،وطرد أنصار حكومة فيشي منها. وكي يسهل تحقيق هذا الهدف، كان لا بد من ضمان موقف أبناء الجبل، الذين في وسعهم منع وصول قوات الحلفاء إلى دمشق، وقد وجدت استطلاعات الدبلوماسية البريطانية السرية في القاهرة، أن أسمهان خير من يقوم بهذا الدور، فجرى اللقاء بها وشرحت لها عملية الحلفاء بهدف الخلاص من الفيشيين في سورية، وطُلب منها المساعدة في ذلك).

سلامة عبيد (1921-1984)

ابن مدينة السويداء وابن مجاهدها علي عبيد الذي كان (شاعراً شعبياً من شعراء الثورة السورية وواحداً من قادة الثورة وفرسانها، كما كمان قاضياً مرموقاً) وأدى سلامة عبيد دوراً ريادياً (فقد عاد إلى أحداث الثورة السورية ووقائعها، يؤرخ لها بعد فترة من الزمن خشية أن يقع فيها من الزيادة أو النقصان، عن سهو أو خطأ، ما يخرجها عن حقيقتها). والدور الآخر (عكف سلامة أثناء إقامته في الصين على تأليف معجم عربي – صيني، وقد استهواه هذا العمل مدركاً أهميته في تعزيز أواصر الثقافة بين الشعوب).

صياح الجهيم (1929-2000)

نمت النزعة الوطنية لديه منذُ الطفولة فقد كان والده يرسله (وهو فتى تحت الخطر، حاملاً الطعام إلى بعض الزعماء الوطنيين، الذين كانت تعتقلهم السلطات الفرنسية في سجن القلعة، في ذروة النضال من أجل الاستقلال عام 1945). ويورد مؤلف الكتاب شهادة للأستاذ كمال القنطار قالها في صياح الجهيم فهو (ينتمي إلى الجيل الذي ورث رسالة التنوير من روادها الأوائل، وأضاف إليها أبعاداً فكرية واجتماعية زادت من ثرائها، وقد شهد النهوض الوطني في أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته، وعاش تلك المرحلة من تاريخ سورية، حيث تآزر الشعب والجيش في وحدة وطنية لا سابق لها للدفاع عن استقلال البلاد، وتعزيز الدور الريادي لسورية العربية في حركة التحرر). ويؤكد المؤلف أن الجهيم (جاهر بالاشتراكية ودعا إليها في زمن كان يُكّفر كل من يبشر بها، وكان يرى أن نزوع الإنسان إلى العدالة والاشتراكية قد يمنى بالإخفاق، ولكنه لن يتوقف وهو قديم قدم المجتمعات الإنسانية).

خاتمة المؤلف

في نهاية البحث يقدم مؤلف الكتاب الأستاذ سيف الدين القنطار رؤيته للروابط التي جمعت شخصيات بحثه فيقول : فشكيب أرسلان لم يكن المدافع عن قضية الثورة السورية في عصبة الأمم، وفي المحافل الدولية فحسب، بل كان على صلة حية بوقائع الثورة وأحداثها،… وسلامة عبيد الذي رافق المقاتلين أثناء حربهم طفلاً، وانتقل معهم إلى المنفى، واستوحى شعره من وقع حدائهم وأزيز رصاصهم، عكف بعد ذلك على تأريخ الثورة في ضوء وثائق لم تكن معروفة، ورشيد طليع جاء من البعيد ودخل إلى سورية ليشارك الثوار كفاحهم، ومعاناتهم ويموت بينهم، وركبت أسمهان المغامرة وخاطرت بحياتها بعد أن سمعت وعود الفرنسيين بمنح السوريين استقلالهم. ولم يدخر صياح جهيم جهداً قي تعليم دروس الثورة ونشر قيمها بين طلابه.

كتاب (أعلام في السياسة والأدب والفن تؤلف الثورة السورية الكبرى بينهم) يقع في 217 صفحة صادر عن اتحاد الكتاب العرب – دمشق (سلسلة الدرسات 2013) لمؤلفه الكاتب سيف الدين القنطار.

العدد 1105 - 01/5/2024