(حنا الطباع الشاعر المنسي (1917 – 1976

 حنا رشيد الطباع  شاعر مرح، خفيف الظل، لطيف المعشر، طريف النكتة، بارع الحديث، حاضر البديهة، ولد عام 1917 في بلدة (دوما) شمالي لبنان، وتلقى دراسته الابتدائية والإعدادية فيها، والثانوية وفي الكلية الإنجيلية الوطنية بحمص، وبعد أن نال شهادة الدراسة الثانوية، حالت الظروف المادية دون متابعة دراسته الجامعية، فانخرط في ميدان العمل، فعمل في شركة نفط العراق في مدينة بانياس على الساحل السوري، وظل في هذا العمل حتى وفاته في عام 1976.

تعرفت إليه عام 1965 حين كنت مدرساً للغة العربية في بانياس، وعلى زميليه الشاعرين أنور الإمام وأحمد علي حسن، وقد شكل هؤلاء مجتمعين ثالوثاً  شعرياً طافوا معاً معظم النوادي والمراكز الثقافية السورية، ولا سيما منتدى (عكاظ) ـ الذي أسسه سرّي ياسين، ونادي شركة نفط العراق في بانياس، لإلقاء قصائدهم الكلاسيكية التي تميزت بالدعابة والروح الوطنية، والنزعة القومية والدعوة إلى نبذ الطائفية، والتمسك بالعروبة والوحدة الشاملة، ومن هنا تعلق حنا بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، آملاً أن يكون منقذ العرب، ومحقق آمالهم، ورثاه عند وفاته عام 1970 بقصيدة طويلة بلغ عدد أبياتها ثمانية وثمانين بيتاً من البحر الكامل والقافية الواحدة، استهلها بقوله:

ما للكنانة فجرها إظلام

قلْ ما الأسى يا نيلُ يا أهرامُ؟

وهل النجيعُ على ضفافكِ أنهرٌ

أم أدمعٌ غصّت بها الأنسام؟

قالوا هوى النسر الكبيرُ مضرّجاً

بالكبرِ فالدنيا أسىً وحمام

والليل أرخى فوق مصر سترهُ

فنهارها في الضفتين ظلامُ

وتبددت في لحظة أحلامُها

فجمالُ مات وماتتِ الأحلام

إلى أن يقول:

يا للكنانةِ من يضمّد جرحَها

والجرحُ بالعملاقِ لا يلتام

بالكنانة كيف تحمل خطبها

وعلى مفارقها الخطوبُ جسام

كم شُلّ للنبأِ المروّع خافقٌ

وكم  ارتوت بدم الصدورِ سهام

مات الحبيب أبو الجميع فكلنا

في مكّتينا (والنبي) أيتام

كان  حنا الطباع ينوي أن ينشر ديوانه الذي أعده للطبع وسماه (المر الحلو) لكن مرض السرطان الذي أصابه وتحمّله صابراً، شغله عن كل شيء حال دون نشر الديوان، واكتفى بنشر قصيدتين منه  هما: (عيد المعلم) و(الجرح الكبير) بشكل كراسين، ونأمل أن تقوم أسرته التي هاجرت إلى أستراليا منذ مدة واستقرت هناك، بجمع قصائده المتفرقة ونشرها.

لقد قام الشاعر محمود ياسين (ابن الريف) بنشر قصيدتين له في كتابه (شعراء معاصرون من سورية) الصادر عام 1969 هما (ابنة الشمس) التي أهداها إلى ابنته الكبرى (منيرة) بمناسبة نجاحها في الثانوية و(مكالمة تلفونية) وله قصائد أخرى منشورة في مجلة ((الضاد) بحلب ومجلة (الثقافة) بدمشق، تحتاج إلى من يقوم بجمعها.

يقول في قصيدة (ابنة الشمس):

يا ابنتي البكرَ أنتِ كلُ رجائي

وعليكِ الآمالُ جد كبيرة

لا تغرّي إن الغرورَ جنونٌ

وقِنا يا إلهي شروره

فطريق العلا طريقٌ طويلٌ

شائكٌ دونه الليالي المريرة

فازحمي الصبحَ والمساءَ بجدٍّ

وخذي النحلَ عبرةً في المسيرة

ثم يتخلص إلى موضوع الطائفية الذي كان يؤرقه ويشغل باله على الدوام فيقول:

في زوايا النفوس داءٌ خبيثٌ 

مزّق العُرْبَ شاطئاً وجزيره

هو داءٌ بالطائفية يبدا

ذو شباب.. وينتهي بالعشيره

ساقه الطامعون فينا إلينا

فأضلّوا  به جموعاً غفيره

أنت تدرين قد حرقتُ حياتي

في سبيل العروبة المغدورة

كيف أني على بلادي غيورٌ

هكذا أنتِ فلتكوني غيوره

شرفٌ خدمةُ الديارِ وحقٌّ

قدسيٌّ وغبطةٌ مستوره

أما (مكالمة تلفونية) فهي قصيدة غزلية رقيقة، يصور فيها عذوبة صوت محبوبته، الفريد الذي تنهار أمام عذوبته جدران قلوب النساك، ويذيب القلب تموجه، فتحنّ العين لمرآها، ويتغلغل في أذنيه كالسحر.:

يا صوتكِ عبر الأسلاكِ

يا صوتَ الغريدِ الشاكي

تنهار أمام عذوبته

جدران قلوبِ النساك

يهتز كريشةِ رسامٍ

في طرفِ المحبوبِ الباكي

ويذيب القلبُ تموّجهُ

فتحن العينُ لمرآكِ

يهواكِ الشعرُ وقائلهُ

والهاتف أيضاً يهواك..

كان حنا الطباع شاعراً كلاسيكياً متمكناً من النظم، أوتي موهبة الإلقاء بصوته الجهوري الذي يشد إليه آذان المستمعين ويدعوهم إلى التصفيق مراراً حتى تلتهب أكفّهم، فهو شاعر منبريّ، طويل النفس، وميال إلى نظم المطولات، دون أن تعاني قوافيه القلقلة أو الاضطراب، وهذا دليل على موهبته الشعرية الأصيلة، وتمرسه، وانقياد القوافي إليه دون كبير عناء، أو إجهاد فكر، أو تصنع.

العدد 1105 - 01/5/2024