الروائي العالمي البيروفي ماريو فارغاس يوسا

يوسا هو الروائي البيروفي الأبرز،  والحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 2010  يعتبر يوسا من أكثر روائيي بلدان أمريكا اللاتينية تجديداً في تقنيات السرد الروائي، وله عشرات الكتب من روايات وقصص ودراسات نقدية.

ارتبط نتاجه الإبداعي في أعماله الروائية التي ارتبطت بأدب بلدان أمريكا اللاتينية، ذلك أن الكاتب من أصل بيروفي.

وعن علاقة السياسة بالأدب يقول يوسا: (إن الأدب يجب أن يعبر عن جميع نواحي الخبرة الإنسانية، فكل ما هو موجود في الحياة يجب أن يكون جزءاً من الأدب والرواية، والسياسة لها تأثير كبير على الناس ولا يمكن للأدب أن يتجاهلها).

يرى يوسا أن الحكم العسكري في دول أمريكا اللاتينية فرض على الأدب الواقعية التشريحية، ومعاناة الشعوب هي نتيجة  ديكتاتورية هذه الأنظمة. وإن الولايات المتحدة ساهمت سابقاً في تغذية هذه الديكتاتوريات من أجل القضاء على الحكم الشيوعي مشيراً إلى روايته العالمية (حفلة التيس)، والجنرال دومنيل بطل الرواية، الذي حاول تدمير العالم من حوله، فرواية (حفلة التيبس) تتناول واحدة من أعتى الديكتاتوريات التي شهدها العالم في الدومينيك، وكيف كانت معرفته بالكثير من التفاصيل لأشكال الاضطهاد والظلم التي عانى منها الكثيرون، حيث عاش ثمانية أشهر ،كانت  منطلقاً لكتابة هذه الرواية.

حياته وأعماله

ولد يوسا بمدينة (أركيبا، البيرو) عام 1936 وعاش مع أمه وجدّيه بعد أن ترك والدُه أمَّه إثر ولادته، فوجئ في الحادية عشرة من عمره بعودة أبيه بعد أن ظنه ميتاً، ليعيش مع أسرته بعد أن فشل في مغامراته التجارية مفرغاً إحباطه بضرب زوجته وأولاده.

ونتيجة للمعاناة التي عاشها يوسا في عائلته قرر الهرب والدخول إلى الأكاديمية العسكرية (يونشيو برادو) في ليما عام 1950- 1952.

عمل في الصحافة اليومية مصححاً ثم مراسلاً، وكان ينوي التفرغ للصحافة، لكن أسرته أجبرته على دراسة الحقوق.

دخل المعترك السياسي أثناء دراسته الجامعية في (جامعة سان ماركو) في البيرو، وانضم إلى الفرع الطلابي السري للحزب الشيوعي البروفي، وبفضل الحزب وتجربته في الأكاديمية العسكرية، تعرف يوسا على البيرو الحقيقية، وكذلك أنعشت الثورة الكوبية آماله عام 1960 وجعلته أكثر ثورية، فهذه الثورة كانت تمثل نوعاً من التغيير للمجتمعات السائدة في تلك المرحلة، والتي كانت  تحوى فوارق اجتماعية عالية جداً.

درس يوسا الأدب والقانون، وحصل على منحة دراسية في إسبانيا عام 1958 وفي عام 1965 قام بجولة على العديد من دول أوربا الغربية، فعاش في كل من باريس ولندن وبرشلونة، وكان مرشحاً لرئاسة البيرو عام 1990 حصل على جوائز أدبية مرموقة منها جائزة (ثربانتس) أهم جائزة للناطقين بالإسبانية.

من أشهر أعماله: (مدينة الكلاب) وهي أول قصة له عام 1963 و(الطفلة غير الهادئة) وهي آخر قصة ومن رواياته الشهيرة: (حفلة التيس)، (امتداح الخالة)، (ليتوما في جبال الأنديز)، (الجبل الأخضر)، (رسائل إلى روائي شاب)، (الفردوس على الناصية الأخرى)، (ذاكرة شكسبير)، (سمكة في الماء)، (اليوتوبا العتيقة)، (مديح زوجة الأب). وقد بلغت أعماله أكثر من 39 عملاً أدبياً بين رواية وقصة. ترجم الأستاذ صالح علماني بعضها إلى اللغة العربية.

تكوّن أدب فارغاس يوسا في خضم جيل الخمسينيات البيروفي الذي حمل رؤية واقعية لمجتمعه، فقد دافع في كتاباته بجرأة عن فكرة الحرية والتواصل والديمقراطية، كضرورات للاستمرار في الحياة.

يتصف يوسا باهتمامه بالتقاء الشعوب والتواصل فيما بينها وخاصة شعوب العالم الثالث.

ومن المهم جداً فهم نشأته الأدبية، فقد ظهر في الستينيات من القرن الماضي ما يسمى بظاهرة (البمّ) أي الانفجار وكانت في صلب الفترة التي نشأ فيها يوسا، وكان أحد أعمدة الكتاب الذين أغنوا الأدب في تلك المرحلة، فالعديد منهم اكتشف وانتسب إلى نوع آخر من الأدب يختلف عما كان سارياً في تلك الفترة التي نشأ فيها فارغاس. إنها ثورة أدبية دائمة بتعريفها، ولا يمكن توضيحها إلا باعتبارها حركة، وقد كان لكتاب أمريكا اللاتينية تأثير كبير على الآداب الأوربية بعد أن اتخذوا من رؤيتهم الأدبية طريقة للتغيير.

فقد حصلت تغييرات جذرية في الكثير من دول أمريكا اللاتينية في الخمسينيات من القرن الماضي، وحكمتها الديكتاتوريات، وكان للعديد من المفكرين والأدباء رؤية خاصة ومختلفة للتعبير الأدبي الذي يرتبط بالمجتمعات. وكثير من كتاب الإسبانية أمثال غارسيا مركيز، ويوسا حصلوا على تقدير وجوائز لإبداعاتهم..

يقول فارغاس يوسا: (إن شعر بابلو نيرودا شكل بالنسبة له في البدء لذة ممنوعة قبل أن يتحول ورعاً، »عندما كنت طفلاً في كونشا بامبا في بوليفيا حيث أمضيت طفولتي، امتلكت أمي نسخة لأول كتابين لنيرودا، عشرون قصيدة حب وأغنية بائسة«، وأذكر كيف منعتني من قراءتها لأن هذه القصائد لم تكن في رأيها مناسبة للأطفال وهذا ما جعلها أكثر جاذبية لي في كل مراحل حياتي، جذبني نيرودا في طفولتي، نيرودا  الرومانسي والوجداني، نيرودا الذي نجده في كتابيه الأولين.

ثم عندما أصبحت طالباً جامعياً، رافقني نيرودا الشاعر الأسطوري والثوري الذي نظم (النشيد العام)، و(إسبانيا في القلب).

جمعت يوسا رحلة صداقة كبيرة بالروائي الكولومبي غارسيا ماركيز، وهذه الصداقة شكلت حيزاً هاماً في تاريخ أدب أمريكا اللاتينية منذ تعارفهما الأول في نهاية السبعينيات، وامتدت طويلاً خلال فترة عيش الكاتبين في برشلونة إلى درجة أنهما كانا يعيشان في بيتين قريبين، وهي التي يعترف أغلب النقاد بأنها كانت النواة الأساس في تكوين ما سمي فيما بعد بجيل أدب الواقعة السحرية. عن هذه الصداقة كتب يوسا كتابه النقدي المهم عن صديقة غارسيا ماركيز المعنون (ماركيز.. قصة محطم الآلهة 1971)، والذي يعدّ أهم الكتب في فهم أدب ماركيز والجيل بأكمله.

غواية المستحيل

وفي كتابه الجديد الذي يقع في 232 صفحة والصادر مؤخراً في مدريد بعنوان  مبتكر (غواية المستحيل) يستحضر هذا الكاتب المبدع (بؤساء هيغو) الرواية التي ساعدته على تحمل الحياة الصعبة في الكلية العسكرية (بونثيو برادو) في ذاك الشتاء الكئيب، والتي يستعيد  ذكراها في مقدمة كتابه ويعرفنا من خلالها على الأسى الذي عاشه في القسم الداخلي، على الجو الفكري البليد، وشبه الميت الذي يوجه التلامذة ويتكامل مع الروتين اليومي الممل، ذاك الشتاء الكئيب البارد.

يقول يوسا: (في ذاك المعهد كانت المطالعة غير معتبرة، يقول عنها أحد اللاهوتيين الذي كان يعتقد أنه يعرف كل شيء، إنها ليست خطيئة، ولكنها مضيعة للوقت، ويؤكد أنه لم يقرأ في حياته كلها غير كتاب واحد. ورغم ذلك وجد المراهق المحبط ذاته ونسي وحدته وهو يقرأ البؤساء، رواية ساعدته على تحمل الحياة القاسية، إذ يقول: (لقد شعرت أن حياتي صارت أقل بؤساً بكثير). فالبؤساء كمايقول: (تحوي مادة لفكر ثاقب، إنساني التطلع، ويشير فارغاس إلى: (أن القوة القديمة التي تحرك مسيرة الشخصيات التي يعبر هوغو عن مشاعرها وعواطفها البسيطة على مدى صفحات الرواية بمهارة وطموح لا مثيل لهما).

وفي قصته الأولى (مدينة الكلاب). عام 1963 التي تجري أحداثها في الأكاديمية العسكرية التي التحق بها في شبابه في الخمسينيات، والتي يسيطر عليها طلاب هم الكلاب الذين يشير إليهم في العنوان. ويبرز فارغاس التناقض بين القمع المتمثل في الانضباط والانزعاج الذي يعانيه الشباب، والحرية التي تتفتح من حولهم في المدينة.

رواية (حفلة التيس)

 أمضى فارغاس يوسا  عام 1975 ثمانية أشهر لدراسة تجربة الديكتاتور (رافائيل تروخييلو) الذي حكم الدومينيكان  واحداً وثلاثين عاماً (1930-1961) وخرج برواية حُوّلت إلى فيلم هي رواية (حفلة التيس)، التي يقول عنها الروائي في حديث لمحرر الأوبزرفر: (لقد كان الديكتاتور يملك كل شيء في الدومينيكان، التجارة والطيران والبن والسكر، وتربية الأبقار والكحول واحتكار الملح والخمور، والتأمين والنفط، والمخدرات والخبز والفضائح. ولقد كانت حياته أوبرا ساخرة من تأليفه وإخراجه وتمثيله. ولم يكن لشعب الدومينيكان فيها غير دور المنشد والكومبارس، ويرى أن دراسة الديكتاتورية لا تعني دراسة مفردة لشخصية الديكتاتور في القهر والإذلال بقدر ما هي دراسة للانهيار البطيء لمجتمع بأكمله). تؤرخ رواية حفلة التيس لثلاثة عقود من حكم الديكتاتورية في الدومينيكان كاشفة عن أساليب حكم (تروخيللو) وعلاقاته وطبيعة تعاطفه مع أقطاب نظامه وشذوذه وجرائمه. وأخيراً نهايته المفجعة على يد مجموعة من الضباط المتآمرين ممن كانوا حتى وقت قريب من بين جماعة نظامه ومرافقيه الشخصييين.

ولا بد أن أشير هنا إلى أن صورة المرأة في إبداعات يوسا كانت هماً من همومه الكثيرة المؤرقة، وقد افتتح بها جلّ أعماله الإبداعية. ففي أولى كلمات رواية (حفلة التيس) يضعنا يوسا أمام اسم إشكالي هو (أورانيا) الذي يوحي باسم كوكب، أو فلز منجمي، أو أي شيء آخر، إلا أن يكون اسم امرأة ممشوقة القوام، لطيفة التقاطيع، ويجعلنا نوازي بين عبثية هذا الاسم، وإهانة مدينةسانت دومينيك  القديمة  بتسميتها (مدينة تروخيللو)، نسبة إلى ديكتاتورها الفظيع، وستظل هذه الأنثى تطل علينا حتى يقدمها والدها السيناتور الانتهازي هدية لصاحب الفخامة (تروخيللو) فيراقصها ثم يتأبطها إلى مخدع الزفاف وهو في السبعين وهي في الرابعة عشرة من سني حياتها، ثم سيطردها بعد أن يغتصبها بطرق غير طبيعية،  وكذلك في رواية (الفردوس على الناصية الأخرى). يبرز نموذج نسائي آخر: ابنة غير شرعية تتزوج زواجاً غير متكافئ تدعى (فلورا أو فلوريتا) تشبه الأندلسيات، وصاحبة مشروع اجتماعي هدفه الانتصار للمعدمين في المجتمع البرجوازي، وتعتقد أن مكافحة الفقر سيكون بتغيير المجتمع لا بالحسنات والهبات، وتقول إن كل رجال الدين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم كانوا على الدوام حلفاء للمستغلين والأغنياء، لأن كل نصائحهم تطالب باستسلام كل الضعفاء والمسحوقين لقاء وعدهم بالجنة أو الفردوس المنتظر.

العدد 1105 - 01/5/2024