المراهق والحرب

تُعدُّ المراهقة من أخطر مراحل النمو عند الإنسان، لأنها تتسم بالتجدد والترقي صعوداً نحو السّلوك الرّاشد. ومكمن الخطر فيها عائد للتغيرات في مظاهر النمو المختلفة (الجسمانية والعقلية والانفعالية، ونمو الضّمير الاخلاقي والاجتماعي).

وهنا تبدأ صراعات المراهقين على مستويين: 

داخلي، جرّاء تبدلات هرمونات النّمو.

خارجي، جرّاء النّظرة التي يسعى اليها المراهق في المحيط الاجتماعي.

 إن مظاهر البلوغ العامة هي اولى الدّلائل على مرحلة المراهقة التي تتميّز بالنّمو العام السريع والمتفجّر في كل جوانب حياة المراهق، فالنّمو الهرموني في الجسم يغدو كبركان، يعقبه نمو داخلي ذهني وانفعالي.

أحد أهم مشاكل المراهقين، أن سلوكهم يتميّز بالتّمرد على الضّوابط، والذي لا تحكمه أية ثوابت من يوم لآخر. كما نجد أن لمظاهر المراهقة عوالم تختلف من بلد لآخر تبعاً للبيئة الاجتماعية، والتّنشئة الطّفولية المستقرة أو المضطربة.

لقد دلت الدّراسات النّفسية حول المراهقة في المجتمعات الغربية، أن النّظم الاجتماعية الحديثة التي يعيشها المراهقون في هذه المجتمعات، هي المسؤولة عن حدوث أزماتهم المختلفة إلى حدٍّ بعيد عن مشاكل وأزمات المراهقين في بلداننا. هذا بصورة عامة، وبعيداً عن أجواء الحروب، والنّزاعات المسلحة.

 قبل الحرب في بلادنا، كنا نجد المراهقين الشباب ينزعون للانسحاب من أجواء الأسرة، وينخرطون في مجتمع الأقران. والمراهقات يملن إلى الانعزال والتّأمل بتغيرات الجسد أكثر من الذكور.  أما اليوم فإن البيئات المضطربة، تخلق لدى المراهقين دافعية هجومية، وتحرّض طاقات العنف والعدوانية لديهم، وقد يتجه هذا السّلوك إلى الذّات، أو إلى المقربين لاسيما الأمهات، ومرات نجد أن هجومية المراهقين تنصب على الأشياء المحيطة كالتّكسير، والفوضى في الاستخدام، ما يعكس لديهم حالة من عدم التّوازن النّفسي التي تزيد من حدة المشاكل.

 إن حاجات المراهقين الحركية تتأثر بعدم الأمان في المحيط الخارجي، فهذا الإحجام في التّنقل أو ممارسة الأنشطة ينعكس في الخمول والإحباط الجسدي، الذي بدوره يتحول الى خمول ذهني، وقلة في الدّافعية لإنجاز أي أمر، ولذلك نجد أن التّحصيل الدّراسي لدى المراهقين في السّنوات الأخيرة قد تراجع لمستويات مرعبة، ومظهر المدرّس المنزلي بات سمة للتّعليم العام، لاسيما ممن يمتلكون القدرة المادية.

 إن حجم الطّاقة المكبوتة داخل جسد المراهق نتيجة قلة الأنشطة الملبية لحاجاته الحركية، يجعله ضيّق الأفق تجاه الحياة، كما يتسلل إليه الخوف والقلق، وهو ما يلعب الدّور الاكبر في انصرافه عن التّركيز، وحالة اللامبالاة والرّغبة في الشّراء، والاستغراق في السّلوكيات الغرائزية التي تجلب له اللذة للحظات عابرة، ورغم ذلك نجد المراهقين يلحون على الاستمرار بها، كآلية دفاعية ضد الحرمان المعمم في الجو المحيط للأنشطة الهادفة، إضافة إلى غزارة الأفكار في مخيلتهم حول الرغبة بالمغامرة وإثبات الرّجولة أو الأنوثة. من سمات المراهقين العامة، السّعي لنيل حريتهم واستقلالهم عن والديهم، ولكن في زمن الحرب يلوذ المراهق بأهله لأنهم أمانه الخاص. وهنا نراه يعيش صراعاً حاداً، ما بين الرّغبة في التّمرد على قوانين الأسرة، وتجريب أفكاره. وهنا نجد أن مفاهيم المراهقين في بلادنا اليوم تجاه الأسرة والسّلطة غير متوازنة، وغير عقلانية، فالمبادئ التي نشأت في أذهانهم نتيجة التّبدلات المختلفة على شخصيتهم، ألمحت لهم بنمو فلسفة حياتية خاصة، يخال لكل مراهق أنها هي الملاذ والخيار الأمثل.

ونتيجة الموانع المختلفة في زمن الاضطراب القائم، ومعاناتهم النّاجمة عن تدني المصروف نتيجة تراجع دخل الآباء في ظروف الحرب، أو نتيجة تزعزع الثّقة في المحيط الاجتماعي لاعتبارات لا يقدرها المراهق بمنظور الأهل، يعيش المراهقون خبرة في إمكانية الانصياع لواقع الأسرة، وما بين الرّغبة بالانسلاخ عنها كوسيلة لتوكيد الذّات، واثبات التّفرد والتّمايز نجد المراهقين يصطدمون بالأنا الأعلى للحرب، والتي تستخف بقدراتهم العقلية، وتستهين بكل الوجدانيات والأحلام التي تسكن عالمهم، ليكون قانون هذه الأنا الأعلى، هو السّيادة والفوز بأي ثمن، ومعيار إيقاع القتلى والدّمار في الطّرف الآخر، ما يزيد من حدّة الضغوطات النّفسية للمراهقين، والموجودة أساساً بفعل المرحلة النّمائية التي يمرون بها. وبذلك يغدو سلوك العصبية والعنف سمة غالبة لدى شباب اليوم، ويتضح ذلك من خلال سلوكيات غريزية عديدة، وسلوكيات لا اجتماعية يبيحونها لأنفسهم كمطلب لتأكيد ذواتهم، فيكثر الكذّب والسّرقات والتّدخين والاستغراق في عالم النت على مواقع إباحية، أو مواقع تحرّض طاقات الغضب بالنسبة للذكور. أما الإناث فربما يفضلن الانجذاب لعالم النّساء والرّغبة في الزّواج، وأيضا الانغماس في الماكياج وهوس التسوق وسلوك الاستعراض، أو الرّغبة في التّدين والاستغراق في طقوس العبادة، أو حتى التّعلق بالصديقات، مما يؤدي إلى الكثير من السّلوكيات المنحرفة التي تظهر لدى المراهقات.

من خلال هذا الواقع المحبط، نتيجة سيطرة الأنا الأعلى للحرب، والتي توّرِّثُ عُصاب الصّدمة، لأنها تستمد قوتها ونفوذها من استباحة قتل الآخر، وإلغاء الرّمزية لمعنى وجوده، وإيجاد صيغ سياسية وقانونية للتّعايش معه، وهذا ما يدفع المراهقين للانخراط في الحرب، فيكونون لقمة سائغة نتيجة اندفاعهم وفورات انفعالاتهم لإثبات قدراتهم، نتيجة التّماهي بمن يعجبهم من قادة يسمعون بانتصاراتهم وتميزهم في اجواء الصّراع، أو الخيار الآخر أن يكون المراهق عرضة للاكتئاب والصّدمات النّفسية.

 وللتّخفيف من حدة صراعات المراهقين وأزماتهم جراء الحرب، وجرّاء ظروف عدم الاستقرار العامة في البلاد، بدءاً من تدني مستوى الحياة، إلى القلق على المستقبل، هناك بعض الإجراءات التي لا بدّ منها، كوضع برامج جادة لاحتواء طاقات الشّباب المراهقين، تعتمد الحوار والمشاركة في انشطة ذهنية، وتقديم المكافآت على أعمال تغذي الميول الفنية والفكرية. إن برامج التّسامي للطّاقة الحركية واللبيدية مطلوب تفعيلها اليوم كعلاج جماعي لكل المراهقين المبتدئين منهم والمتقدمين في هذه المرحلة، مما يسهم في رفع مستوى التّكيف لديهم ضمن أجواء البيئة المحيطة، وعبر مشاركاتهم بتحمّل المسؤوليات فيها، مما يشعرهم بأهميتهم وفعاليتهم من خلال تدريبهم على العمل التّطوعي والعناية بضحايا الحرب، ما يعزز لديهم الإحساس بالمسؤولية تجاه مستقبل البلاد، والاستعداد لبنائه بعد صقل مهاراتهم ونجاحاتهم العلمية التي يمكن لها أن تضيف آفاق جميلة لبلادهم، وللأجيال من بعدهم، إن أحسنوا العمل والتأثير من خلال تخصصاتهم التي ينبغي التركيز عليها، وبذل الوقت والجهد لبلوغها.

العدد 1105 - 01/5/2024