استيراد وتصدير أفكار!

عملت البلاد العربيّة منذ آلاف السنين على تصدير ثقافتنا إلى بلاد اليونان وغيرها من البلدان الأجنبيّة!

استمرّ التصدير إلى أن نَفذت بضاعتُنا!! عاش الوطن العربيّ بعدها في مرحلة قحطٍ فكريّ، يصلّي الاستسقاء، علّ آلهة الثقافة تعيد له ما أُخذ منه عندما كان العرب نائمين!

استيقظ العرب على واقع الجفاف الفكريّ، فاتحين أفواههم وعقولهم للسماء!

وأصبحنا الشّعب المستورد فقط! وهل لشعبٍ ضيّع ثقافته أن يجيد استعمال ثقافة غيره؟!

كان أوّل ما استوردناه (التكنولوجيا) علّها تعوّض قليلاً مما خسرناه…!

استوردنا ما أرادوا إعطاءنا إيّاه، وما لفقيرٍ أن يطلب أكثر مما يتكرّم عليه الغرباء؟!

نعم… أصبحنا فقراء!

فالتعريف الحقيقيّ للفقر: هو أن تعيش وأنت مقتنع تماماً أنّ عقلك ليس ميزة بل هو عضو زائد كالزائدة في جسم الإنسان!

أصبحت التكنولوجيا دخيلة حيواتنا كلّها! دخلت في أزقّة عقولنا..، تغلغلت في خضاب الدمّ..!

لم ندرِ نحن العرب أنّ فايروس الإنترنت أصعب بكثير من فايروس الإيدز!

فالإيدز يهدّد فرداً بحدّ ذاته، أمّا فايروس الإنترنت فيهدّد جيلاً بأكمله!! هذا الفايروس الذي يعديك قبل أن تولد! أصبح مرضاً بالفطرة!!

 المشكلة ليست بالإنترنت بحدّ ذاته، بل بأننا لن نعرف استخدام حضارة نشأت عندما كان العرب في غيبوبتهم!!

أصبحت مهنة التواصل الرقميّ من أهمّ أشياء يومنا..!

و هل لشعبٍ لا يجيد التواصل الواقعيّ، أن يتواصل عبر كلمات خرساء؟؟؟!!

أصبح هذا النوع من الإدمان نقطة ضعفنا الموحّدة..

نفتخر وبشدّة أنّ إدماننا هذا، هو نوع من ممارسة الحضارة الأوروبية (مثلنا الأعلى)! وجهاز التحكّم بهذه النقطة بيدهم (من يصدّرون لنا ثقافتهم )!

عاش جيل الشّباب العربيّ منوّماً مغناطيسياً، كالذي ضيّع هويّته وعاش في بلده لم يعد منها، ولا من غيرها!!

حتى نحن لم نساعد أنفسنا على النّهوض، لم نعلّم الأجيال أنّ الكتاب يبني قلعة الثقافة التي هدموها!!

غرق الشباب في مستنقع الإنترنت الافتراضيّ، أما الأهل والمربون، فلم يمدوا يد المساعدة للشباب من أجل النّجاة، كلّ ما فعلوه هو بكاء موتاهم على يد الأغراب!!

أصبح الجيل بعيداً كلّ البعد عن منقذنا الوحيد من هذا الوباء الذي هو الكتاب، أو بشكلٍ أوسع، لنجرّب النّهوض من الانحطاط الذي وضعنا نفسنا فيه.. أن نجازف ولو قليلاً لنبني حضارة سُرقت منّا برضانا!! أن نستيقظ من غيبوبتنا الأزليّة!

وحتّى بعدما ساهمت الاحتلالات وغيرها من النزلاء في بناء حضارة لهم عندنا، كبرنا بمواساة أنفسنا أنّها حضاراتنا التي نفتخر بها..

فدخلت من أبواب قلاعنا المفتوحة دون حراسة!، الكلاب والحيوانات التي تخرّب دون تعقّل!!

مثالها اليوم في معظم البلدان العربيّة ومنها سوريا والعراق وو… التي تهدد تلك الحضارات وهي تقنعنا بأنها تعمل في  سبيل الله، وفي الوقت نفسه تشوّه صورة الله في عيوننا!!

وما زلنا نستورد أفكارهم، وما زلنا في قحطٍ فكريّ عميق، وحضارتنا في انحدار للقيم، والحلّ أمامنا ولا نريد أن نراه!!

لم يعرفوا بعد أنّ لا تطوّر دون حضارة، ولا حضارة دون ثقافة!!

العدد 1104 - 24/4/2024