الثقافة والفكر.. في خندق المواجهة

 يمتلك الحزب الشيوعي السوري الموحد تجربة تاريخية غنية في العلاقة مع الثقافة والمثقفين.. فقد اهتم منذ تأسيسه عام 1924 بهما، وساهم مساهمة فعالة في نشر الفكر العلمي، وكان أول من نقل إلى الثقافة في سورية أدبيات الماركسية اللينينية بما فيها من فكر وفلسفة وأدب، من خلال مثقفيه وكوادره الفكرية والتنظيمية.

أثمرت هذه التجربة المديدة أكلها في خمسينيات القرن الماضي عن تأسيس رابطة الكتاب السوريين عام ،1954 بمبادرة من المثقفين الشيوعيين كحنّا مينه وشوقي بغدادي وغسان الرفاعي وغيرهم من أبرز وجوه الثقافة السورية وممثليها في الأدب والفكر والفن والسياسة. ازدهرت العلاقة وتوطدت في فترة المد الديمقراطي في أعوام 1954-،1958 ثم انكفأت بعد تجربة الوحدة السورية – المصرية بسبب القرارات التعسفية التي اتخذتها أجهزة الحكم بحق الثقافة والمثقفين، بالتضييق على الحريات السياسية وملاحقة الفكر التقدمي وممثليه، مما أدى إلى خروج أعداد كبيرة منهم خارج الوطن، وقسم آخر أدخل السجون إلى أن أفرج عنهم مع بداية عهد الانفصال.

من المعروف أن علاقة أي حزب مع المثقفين، تبقى علاقة إشكالية ملتبسة، فللحزب نظام داخلي وله سياسة محددة على الأعضاء الالتزام بها والتقيد بتفاصيلها، والمثقف بطبعه ينفر من الانضباط الصارم، ويميل إلى هامش أوسع من الحركية في السياسة والفكر، فيحدث شكل من أشكال عدم التوافق بين الحزب كإطار فكري تنظيمي، ورغبات المثقف وميوله ونوازعه التي تمثل غالباً إلى الذاتية والمزاجية الانفعالية. ولأن المثقفين ينحدرون من فئات اجتماعية مختلفة، ويحملون في تكوينهم السمات والخصائص العامة لتلك الفئات، يصبح من الصعب على الحزب صهرهم في بوتقة العقل الجمعي له، فيشعر المثقف ببعض الضيق مما قد يؤدي به إلى مغادرة صفوف الحزب. وثمة آخرون لا يستطيعون متابعة الطريق الشاق، فيقعون تحت وطأة إغراءات الحياة وبريق السلطة والشهرة، مما يدفع بهم إلى الاستقلالية السياسية والفكرية.

أما عن الانتهازية، أخطر أمراض المثقفين، فقد تدفع بكثير منهم خارج صفوف الحزب، استجابة لتطلعاتهم الشخصية ومنافعهم الذاتية، وأخطر ما في انتهازية المثقف أنه يستطيع تبريرها بما يملك من مؤهلات معرفية.

والحزب الشيوعي السوري الموحد على أبواب مؤتمره الثاني عشر، ما الذي يحمله للثقافة وللمثقفين في لحظة حرجة من تاريخ وطنهم؟

أمام التحديات الفكرية والثقافية التي يواجهها الحزب والوطن، لابد من مراجعة نقدية مسؤولة جادة لتجربة الحزب في هذا المجال، لاستخلاص النتائج والعبر، والسير نحو المستقبل بخطا ثابتة وعقول نيّرة وقلوب مفتوحة على العالم بكل منجزات ثقافته وفكره.

في مواجهة الفكر الأصولي الإرهابي التكفيري، يتعاظم دور الفكر العلمي الوطني الإنساني التقدمي، وتصبح شعارات التعددية والاختلاف والتنوع في إطار الوحدة من أبرز مهام المرحلة.. لذلك نأمل من الحزب الذي جمع حوله المثقفين السوريين أن يسعى جاهداً إلى توحيد الجهود، بدعوة إلى حوار واسع حول الثقافة الوطنية ودورها في المحافظة على الوطن موحداً سيداً لقراراته، علمانياً، تعددياً، يتسع صدره لكل أبنائه، كل بحسب موقعه وأدائه الوطني.. فالأزمة كما شخّص الحزب أسبابها سياسية، اجتماعية، فكرية، ثقافية، ولا يمكن تجاوز المحنة السورية إلا بمركب متفاعل متظافر متكامل من الإجراءات السريعة لمواجهة الفكر الظلامي الإقصائي التكفيري.. والوطن غني وفيه الكفاية من المفكرين والأدباء والمثقفين المخلصين لوطنهم ولثقافتهم، وهم قادرون على التصدي لهذا الفكر الإرهابي بكل مفرزاته ومختلف لونياته وأشكال تجلياته.

العدد 1105 - 01/5/2024