جمال وموضة

لكلِّ عصرٍ ومكانٍ وبيئةٍ وأعرافٍ مقاييس جماليّة تختلف من مكانٍ إلى آخر، وهذه الاختلافات في التقييم تبدأ من شكل الجمال لدى الرجل أو المرأة، لاختلاف القوة في الرجولة، أو الاهتمام المنزلي والرعاية للأنوثة، كما يجري التقييم أيضاً بناءً على الأزياء واختلافاتها وصيحاتها ومناسبتها للمكان والزمان.

فالإنسان منذ بداية ووجوده في العصر الحجري اخترع لباساً يستر به نفسه، فلفّ جسده بقطعة من جلود الحيوانات، ومع العصور تطورت قدرته على ابتكار ملابس من أنواع جديدة غير الجلود كالنباتات مثل القطن ومن ثم الحرير وأدخلَ البلاستيك والبوليستر. وبعد ذلك بدأ التنوع في شكل اللباس حسب الشعوب والمنطقة من فينيقيين وآشوريين وكنعانيين وفراعنة وما شابه، فعرفنا بهذا الاختلاف عن طريق الرسوم الجدارية على جدران الكهوف والمغارات، أو من خلال الرسوم في المقابر عند المصريين، أو عبر التماثيل والمنحوتات، وطبعاً عرفناها أيضاً من تحاليل علماء الآثار المعاصرين وكتابات المؤرخين القدامى.

إذاً، لقد تغيرت الأزياء وتبدلت كثيراً عبر العصور، وكان الهدف منها متعدداً أيضاً، فمنه للتجارة أو الصناعة أو الموضة بحد ذاتها وعبر الأزمان. وهكذا، حتى نصل إلى أيامنا هذه، التي أصبحت فيها الأزياء متنوعة ومتغيرة كل بضع سنوات، إن لم يكن كل سنة، إذ نجد عودة الموضة أحياناً إلى زمن سابق في الستينيات أو السبعينيات وما شابه.

فالموضة الآن هي من أساسيات الجمال للذكر كما الأنثى، إذ نجد الشباب الآن يتجهون نحو موضة اللباس الغربي في البنطال الفضفاض والتيشرت الضيقة، التي يتسابق الشباب الآن لإبراز الكرش منها لأنه موضة العصر، أو البنطال الجينز الأكثر رواجاً للشباب مع قميصٍ أو كنزةٍ ضيقةٍ نوعاً ما، ومن الواضح في هذه الأوقات اختلاف أذواق الشبان الذين بدؤوا يغيرون نمط الألوان العادية كالكحلي والأسود والأبيض، وصاروا يرتدون الأصفر والأحمر والبرتقالي والكثير من الألوان والتدرجات، وأما اللحية، فقد صارت موضةً بحدِّ ذاتها يتفنن الشبان بإطالتها أو تحديدها أو شكل السكسوكة …

أما الأزياء المتنوعة والمتغيرة دوماً فهي للسيدات صاحبات الموضة والتنوع الأوسع، وهذا يعود للاهتمام الدائم لمعظم الفتيات بملاحقة صيحات الموضة ومتابعتها واقتنائها بشكلٍ دوريّ. فيختلف شكل لباسهن من بنطلون أو بنتكور أو تنورة أو فستان وكنزات بأشكال وألوان مختلفة، إضافة إلى أنواع ملبوسات القدم والجزادين والنظارات..

إن اهتمام الإناث بكلّ جديد يعبّر عن أذواقهن ومتابعتهن لكل جديد في هذا المضمار ، وعلى أنهنّ بنات عصرهنّ، هكذا يرى معظم الشباب والصبايا، فصارت الأزياء مقياساً من مقاييس الجمال، وصار الشاب يهتم بتفاصيل أزياء الأنثى أكثر فأكثر، وبدأت معاييره تختلف مع اختلاف الزمن، فبعد أن كان يبحث عن أمور علمٍ وأخلاقٍ وحشمةٍ، صار يبحث عن جمالٍ وموضةٍ تناسب العصر وما يراه في المحطات وصفحات التواصل. اختلفت القيم وطريقة التفكير، بغض النظر عما إن كانت للأفضل أو الأسوأ، فبات يركز على أمورٍ قد رآها في مكان ما وقناة ما، وهذه القنوات تعلم تماماً ما تبثه في عقول الشبان والفتيات، فغيّروا مقاييس عديدة لكل شيء ومن ضمنها الجمال ومواصفاته، فصارت معظم الفتيات تشبه الممثلات في شكلهن العام من شعرٍ ومكياجٍ وثيابٍ وحتى بالوجه بسبب عمليات التجميل التي كانت يوماً من الأيام لمعالجة مشكلةٍ بسبب حادثٍ ما، فأصبحت صيحةً لموضة، فيتغير شكل الخدود والأنف والعين، ولا تكبر الفتاة لأن عمليات الشد والشفط موجودتان وتحت الطلب..

وبهذه الجماليات من موضة متجددة ومتغيرة دوماً، إلى عمليات التجميل والتشبه بالجميلات والعارضات والممثلات، كان هناك خاسرٌ وحيد، وهو من صارت لديه هذه الأمور هوساً وعقدةً، وهناك رابحون كُثر من تجارٍ وشركاتٍ وأطباءٍ ومراكز تجميل.

الله جميلٌ يحبُّ الجمال، الجمال الطبيعيّ والأنيق والمتناسق مع الطبيعة الأم… ليس من الخطأ الاهتمام بما هو جديد، ولا تعديل ما هو سيئ أو محرج أو مبالغ فيه، لكن باعتدال، وباحترامنا لأجسادنا وأعمارنا وطبيعتنا وبلادنا والحفاظ عليها وعلى تقاليدنا وثقافاتنا وعلمنا وتطورنا نحو الأفق الأمثل.

العدد 1105 - 01/5/2024