عبد الرزاق عبد الواحد.. شمس لن تغيب

 لرحيل شاعر كبير عن عالم المرئيّات صدمة تزلزل الرّوح، وتلقي بها في مهبّ الصّحو لعالم مخاتل يرشح بالمتناقضات. منذ وقت قريب ارتقت روح الشّاعر العربيّ العراقيّ عبد الرّزاق عبد الواحد إلى باريها، محمّلة بمكابدات وطن ينزف حتى الغرق، تاركة في القلوب لوعة وأسىً وفي العيون دموع لا يجفّفها الزّمن.

وقد آلى ملتقى قبائل وعشائر العراق أن يقيم حفلاً تأبينياً لروح هذا الشّاعر الكبير بالتعاون مع مديريّة ثقافة ريف دمشق في المركز الثّقافيّ العربيّ في مدينة جرمانا بدمشق يوم الثلاثاء 24/11/،2015 بحضور جمهرة كريمة من رجال الأدب والثّقافة والمهتمّين والمحبّين المقدّرين لأهميّة هذا الشّاعر العروبيّ الّذي قضى جلّ حياته في مواجهة الظلم والطغيان مناوئاً الغدر والإرهاب، محارباً الجشع والفساد.

بدأ الاحتفال بالوقوف دقيقة صمت، وبعد تلاوة الفاتحة على أرواح شهداء العراق وسوريّة والأمة العربية، ألقى الأمين العام الدكتور نزار العبيدي كلمته التي قال فيها:

الأخوات والإخوة الكرام!

يتلظّى الشاعرُ بنيرانِ الاغترابِ، تحكمُهُ تلكَ الصرخةُ الشّعريّةُ التي أطلقَها من عُمْقِ الذّاتِ المفجوعةِ بمآسي العراق ونكباتِه المتلاحقةِ من حصارٍ وتجويعٍ وتشريد وقتلٍ وظُلمٍ وتدميرٍ وخيانةٍ وعمالةٍ ونهبٍ وسلبٍ.

في لغةِ الشّاعرِ عبدِ الرزّاق عبدِ الواحد تتفجّرُ تلك الطّاقاتُ المخزونةُ من فكٍر وشعورٍ، لتبشّرَ بمشروعٍ ثقافيٍّ وطنيٍّ قوميٍّ دون أن ينتمي لحزبٍ أو طائفة أو مؤسّسةٍ، ممثّلاً قضايا الأمّة، وأهدافَها في بناءِ حياة حرّةٍ كريمةٍ، في جوٍّ من المفهومِ الصّحيحِ للحريّةِ والعدالةِ كما يليقُ بإنسانيةِ الإنسانِ، بعد أن شوهتْها الكوارثُ التي حلّتْ بالشّعبِ العراقيِّ، ونالتْ من سيادتِه وحريّتِه.

وألقى الدكتور حسن حميد كلمته الفياّضة بالشجن والأسى في تأبين الشاعر عبد الرّزاق عبد الواحد، بلغت فيها عاطفته ذروتها متعاطفة بحميمية مع ذكرياته عن حياة الشّاعر وعلاقته به من خلال مشاهدات وذكريات لونّها الحنين وعطّرها الإخلاص. كلمة ليلى صعب، مديرة الثقافة بريف دمشق، كانت تنضح بالوطنية المشرقة والقوميّة المشرّفة عبّرت فيها عن مشاعرها الطيّبة لأهميّة الشاعر ولمسيرة حياته التي نذرها لحبّ الوطن والذّود عن حياضه، مؤيّدة شعب العراق الشّقيق وحقّه في تقرير مصيره وطرد الخونة والعملاء من أرضه الطّاهرة.

ثم اعتلى رئيس جمعية المندائيين، غسّان عبيد بطّي، المنصّة حزيناً ملتاعاً ليدلي بشهادته في حقّ الشّاعر الرّاحل من خلال كلمته التي عبّر فيها عن مزايا هذا الشّاعر العظيم وأخلاقه مترحّماً على روحه، ومعدّداً مناقبه ومآثره مبيّناً فيها عبقريته الأدبية وبيانه المتألّق. وكانت كلمة الدكتور غسّان غنيم بمثابة مصباح كشّاف سلّطت مزيداً من الأضواء على الروعة والشهامة في شخصّية شاعر كبير، غنّى للعراق ولعدالة قضيّة شعبه وأحقيّته في تقرير مصيره. في حين جاءت كلمة الدكتور نزار بريك هنيدي ترثي الفقيد وتستجلي معالم الإبداع في شعره، وتبيّن مواطن الجمال والبيان فيه. ثمّ ألقى الدكتور راتب سكّر كلمته الّتي حمّلها مشاعره النبيلة للشاعر المرحوم مشيداً فيها بأمجاد شاعر فذّ كالشاعر عبد الرّزاق عبد الواحد ونضاله في سبيل نصرة العراق ورفعته وسموّه عن كلّ ما يمسّ سيادته واستقلاله.

قصيدة الشاعر الدكتور نزار بني المرجة أثارت بشجونها العميقة الحاضرين، إذ بكت الفقيد العزيز بلغة فنيّة عالية وعاطفة عميقة، أفسحت أنوارها لشمس قصيدة الشّاعر العربيّ العراقيّ الدّكتور علي عزيز العبيدي التي ألقت بماء وجدها ولوعتها على ما تناثر من رمال الرّحيل الأليم لتجبل منه تماسكاً إلى حين، لروح زلزلها غياب الصديق العزيز ابن وطنه الغالي الشاعر عبد الرّزاق عبد الواحد، فإذا بها تشجي وتبكي بما أثارت في النّفوس من مشاعر الأسى والفقد..

كما شارك الشّاعر محمد خالد خضر بقصيدة رائعة، فكانت مرثية لائقة بالشاعر استطاع فيها أن يثير مكامن الأشجان، معبراً عن أحزان العرب والعراقيين مثيراً شجون الحاضرين بإلقائه الجميل وصدق عاطفته.

وقد شاركت الشّاعرة السّوريّة وليدة عنتابي في هذا الحفل الكريم ببضعة أبيات شعريّة عبّرت فيها عن بالغ الأسى لفقدان شاعر مهمّ ووطنيٍّ شريف. وجاءت كلمة الدّكتور فهد إبراهيم لتعبّر عن أحزان العراقيين والعرب لرحيل شاعر كبير استحقّ أن يكون أميراً للشّعر العربيّ. ثمّ ألقى الأستاذ ملهم الصّالح كلمة في تأبين الفقيد جاء فيها بعض من ذكرياته مع الفقيد، وبعض معالم حياة هذا الشّاعر الكبير.

وقد أدّى الفنّان شكري سوباري معزوفة حزينة ردّد فيها أبياتاً شعريّة من كلمات الشّاعرة وليدة عنتابي، بثّ من خلالها أحزان العرب أجمعين لرحيل شاعر العراق الكبير. وكانت كلمة الختام لحفل التّأبين ما قدّمه الأستاذ ناجي الزّبيدي من بيان اختتم فيه الحفل، فقال: السّادة الحضور الكرام!

باسمِ ملتقى قبائلِ العراقِ وعشائرِه، نتقدّمُ بجزيلِ الشّكرِ لمشاركتِكُمْ لنا في هذا المَحْفَلِ الكريمِ الّذي ترفرفُ في أجوائِهِ روحٌ طاهرةٌ كريمةُ هي روح الشاعرِ الكبيرِ عبدِ الرّزاقِ عبدِ الواحدِ، شاعرِ العراقِ وابنهِا البّارِ، الّذي يرتفعُ اسمُه عالياً فوق القممِ لعروبتهِ الصّادقةِ، ووطنيّتِهِ المخلصةِ، إذ تجلّتْ هذه السّماتُ القوميةُ والوطنيةُ أصدقَ تجلٍّ بما أبدع من شعرٍ وأدب، امتازَ بسلامةِ اللّغةِ وقوّتِها وجزالتِها، فكان شفيفَ العبارةِ، بديعَ الصّورةِ، جليّ الفكرةِ، ينسابُ بسلاسة ويُسْرٍ، فيمتّعُ القارئَ ويطربُ السّامع.

العدد 1105 - 01/5/2024