التطوّع مساهمة لبناء الوطن

من قديم الزّمان والناسُ تعملُ على مساعدةِ بعضها عن طريق وسائل كثيرة، كالمال والجهد والوقت وما شابه، فبذرة الخير لدى الناس موجودة بقوة، منذ بداية التاريخ، وكان لهذه المساعدة اسم وهو التطوع،

ومن هنا تم تعريف التطوع على أنه (الجهد الذي يبذله الإنسان بلا مقابل للإسهام في تحمّل المسؤولية التي تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية)، وهو أيضاً خدمة إنسانية وطنية تهدفُ إلى حماية الوطن وأهله من أي خطر.

والمتطوع هو الشخص الذي يسخّر نفسه عن طواعية ودون إكراه أو ضغوط خارجية لمساعدة الآخرين ومؤازرتهم بقصد القيام بعمل يتطلب الجهد وتعدد القوى في اتجاه واحد..

فالعمل التطوعي مهم لدرجة كبيرة داخل أي بلد يريد أن ينمّي أولاده، وعلى كل فرد أن يجرب هذا النوع من المساعدة المنظمة والممنهجة، فالتطوع يتيح له أن يشعر بالآخرين ويعرف احتياجاتهم وتقدير أوجاعهم، كما تساعده على بناء شخصيته وتحويلها إلى مُحِبّةٍ للخير ومعطاءة فتجعله يشعر بالفخر والرضا، ويزيد التطوع من خبرات وقدرات الشباب فيكونوا قادرين على الانخراط في المجتمع وتنميته ومساعدته، ليصبح الشاب المتطوع أهلاً لتخطي الصعاب مهما كانت لأنه بنى نفسه بطريقةٍ تنمويةٍ بناءة، كما أنه سيزيد خبراته في العمل وستزيد علاقاته ومعارفه فتساعده يوماً ما لبناء حياة متوازنة ومتشعبة.

في سورية وُجد العمل التطوعي بكثرة، خاصة في سنوات الأزمة، حيث نرى أن هناك الكثير من الفرق التطوعية التي تخلق المبادرات بناءً على احتياجات الناس باختلافاتها، من نقص غذاء أو دواء أو كساء أو تعليم، والكثير من تفاصيل أخرى تخص كل فئة عمرية بحد ذاتها. ويمكن أن يكون فيها ما يخص الأطفال تحديداً، كالدعم النفسي الخاص بهم، الذي يترافق مع الألعاب والرسم والتعبير عن الذات… والجميل بأن شبابنا السوري كانوا أكفاء في كثير من المواقف، فاستطاعوا تأسيس فرقٍ عدة وبأعدادٍ كبيرة، ولم يكتفوا فقط بأن يجمعوا بعضهم ليعملوا عمل الخير، بل تدربوا عليه من خلال الدخول في ورشات ريادة مجتمعية في عدة مراكز نذكر منها (عيادات العمل-جامعة دمشق) المكان الذي يؤهل المتطوعين للعمل بطريقة ممنهجة وصحيحة وواقعية، فيصبحون قادرين على كتابة خطة المبادرة والفريق بمسؤولية وموضوعية ليقدموها بثقةٍ للجهات المعنية وللمتبرعين فيكونون موضع ترحيب بهم وبخطتهم.

كم هو رائعٌ أن نرى شبابنا بالكثير من الحيوية والمحبة والعطاء منطلقين نحو تحقيق أمنيات الآخرين، والأجمل أن يكون عملهم هذا نابعاً من عمق إحساسهم بالمسؤولية اتجاه بلدهم سورية.

لكن علينا أن نعرف أيضاً أن هناك معوقاتٍ تحيط بهم أحياناً، منها الظروف الأمنية، وتقبّل الناس لهم، ووجود المحتضنين والداعمين لهم معنوياً ومادياً، ولا ننسى أن المتطوع وهو مركز كل تطوع عليه أن يكون في هذا المكان دون أي غاية سوى العطاء اللامشروط، فلا يكون ساعياً إلا لعمل الخير لأبناء مجتمعه وبلده.

سورية اليوم بحاجة كبيرة إلى كل فرد فيها بجهده ودعمه، سورية اليوم تحتاج أبناءها، منتظرة منهم أن يساندوها بكل مراحلها وبمختلف أحوالها وظروفها. سورية اليوم أمانةٌ في أعناقنا جميعاً، فلنعمل على تحسينها وبنائها ومساعدة أبنائها. ولنتطوع!

العدد 1105 - 01/5/2024