ما هي «الخصوصية السورية»؟

خلال مؤتمر (حماية النساء والأطفال من الانتهاكات أثناء الحروب) الذي عُقِد  في فندق الشام يوم 30 تشرين الثاني 2014 برعاية وزارة الشؤون الاجتماعية، ركّز المسؤولون السوريون في مداخلاتهم على ضرورة مراعاة (الخصوصية السورية) خلال تنفيذ المشاريع التي تم الاتفاق عليها. هذا الأمر جعل بعض الحضور يتساءل عن سبب التأكيد على هذا الاستثناء، وما هو الهدف الذي يسعى إلى حمايته؟

فمن المعلوم بالضرورة أن أي مؤسسة أو منظمة ترغب بالعمل ضمن حدود الجمهورية العربية السورية عليها أن تحترم وتُطبق الأنظمة والقوانين سارية المفعول في البلاد بعد أن تأخذ ترخيصاً رسمياً من الجهة المختصة، وفي حال مخالفتها وعدم احترامها لهذه الضوابط والنصوص القانونية تكون عرضة لمنع مزاولة نشاطها تحت طائلة الملاحقة القانونية حسبما تنص اللوائح التي تنظم عمل هذه المؤسسات. بناء على ذلك يكون هذا الاستثناء لزوم ما لا يلزم، إلا إذا كان الأمر يعني ضرورة مراعاة الأعراف والتقاليد والثقافة السائدة في بعض بيئات المجتمع السوري التي تنتهك حقوق المرأة بشكل خاص، وتعتبرها جزءاً من الأثاث المنزلي أو سلعة تُباع وتُشترى، أو خوفاً من الاصطدام مع بعض التيارات الدينية المحافظة والمغرقة في الرجعية داخل سورية، وبذلك تكون (الخصوصية السورية) شماعة لعدم تنفيذ هذه المشاريع أو تطبيقها في مناطق معينة.

الكل يعترف بوجود قيم وأعراف وعادات ميزت الشخصية السورية وجعلت من سورية قبلة العالم أجمع. هذه القيم ساعدت على النهوض بالبلاد في العصر الحديث. وفي المقابل، هناك عادات وتقاليد أكل الدهر عليها وشرب، إضافة إلى تأثيرات الاحتلال العثماني الذي دام أربعة قرون، نشر خلالها العادات والتقاليد والأعراف البدوية التركية، التي أسبغ عليها الطابع الديني، وأصبحت مخالفتها مخالفة لتعاليم وأوامر ونواهي الدين. هذه العادات والتقاليد جميعها كانت ومازالت تُشكل عائقاً نحو تطور المجتمع السوري ومانعاً له من التقدم إلى المكان الذي يستحقه بين أمم البشرية.

أما التعاليم الدينية، فهي مجموعة من النصوص محفوظة بين دفتي كتاب بحاجة إلى ترجمان صادق وأمين كي ينقلها من الحيز النظري إلى الواقع العملي، كي تتماشى مع مقتضيات العصر وضرورات حفظ الأمن والسلام في المجتمع، وخصوصاً في المجتمعات الشرقية حيث نجد التنوع الديني والمذهبي والإثني. لذلك أصبح من واجب الجميع مجابهة هذا الفكر الرجعي وعدم مهادنته بعد أن قلب القيمون عليه المفهوم الفلسفي للدين، وجنّدوه لخدمة الماضي بدل أن يكون منارة للمستقبل، فأصبح خادماً للموت في الوقت الذي يجب أن يكون فيه صانعاً للحياة، الأمر الذي أدى إلى اضمحلال المنظومة الأخلاقية والثقافية والحضارية في المجتمع.

العادات والتقاليد والأعراف السيئة، إضافة إلى الرؤية الرجعية للدين في بيئة تعاني الفقر والجهل والتخلف، أدّت إلى خلق ما بات يُعرف بـ(البيئة الحاضنة للإرهاب) التي بدأت بتهديد أسس الدولة وتهشيم الهوية السورية لمصلحة هويات فرعية قائمة على الانتماء القبلي والمذهبي والعقائدي، وأعادت مناطق كثيرة في سورية إلى عصور الظلام، وأنتجت خطاباً دينياً وسياسياً، إقصائياً وإلغائياً، يُذكر الجميع بالفتن والمجازر التي تعرض لها سكان المنطقة عموماً. الأمر الذي جعل المراقب الخارجي يعتقد أن الفتنة هي القاعدة الأساسية في حياة شعوب المنطقة، وأن الاستقرار هو وهم إن لم نقل رابع المستحيلات.

إن (الخصوصية السورية) التي نتمنى من الجميع التحدث عنها هي سورية واحة للسلام والاطمئنان في المنطقة، سورية منارة العلم والمعرفة في الشرق الأوسط ونقطة انطلاق الرسالات السماوية الثلاث نحو العالمية، سورية التي لا تميز بين الذكر والأنثى أو بين المذاهب والطوائف، والتي يُحترم فيها الإنسان بغض النظر عن معتقده أو فكره، ولا يُميّز فيها المواطن إلا بناءً على عمله وجهده ومثابرته لبناء مستقبل أفضل لجميع أبنائها.

العدد 1105 - 01/5/2024