المتاجرة الرخيصة بقضايا اللاجئين والنازحين

يؤكد القانون الدولي الإنساني ضرورة حماية السكان من النزوح وأثناءه بصفتهم مدنيين، شريطة ألا يشاركوا في الأعمال العدائية، ويؤدي هذا القانون دوراً مهماً في الحيلولة قبل كل شيء دون نزوح السكان، ويحظر النزوح إلا إذا كان ذلك ضرورياً لأغراض عسكرية قهرية أو لحماية المدنيين أنفسهم.

تزداد كل يوم معاناة النازحين واللاجئين في البلدان العربية، خاصة منهم اللاجئين العراقيين والسوريين في الأردن ولبنان وتركيا، حيث تتضاعف أعدادهم والمصاعب والمحن التي يتعرضون لها، وتتسع المتاجرة بقضيتهم مع تنوع وسائلها وأساليبها من قبل السلطات في الدول التي جئنا على ذكرها أعلاه، ومن قبل المنظمات الدولية المختصة، إلى وسائل إعلام العار العربي، وإلى أفواج من المرتزقة الذين عرفوا بمثل هكذا متاجرات، ليس بقضية كهذه، بل حتى في القضايا المصيرية للأمم والشعوب.

بداية من هم النازحون واللاجئون؟

حسب تعريف الصليب الأحمر، اللاجئون هم أشخاص عبروا حدوداً دولية ومعرضون لخطر الاضطهاد في بلدهم الأصلي أو وقعوا ضحية له.. أما النازحون، فهم الذين لم يجتازوا حدوداً دولية، ولكنهم فروا من ديارهم بسبب من الأسباب داخلية أو خارجية، محلية أو إقليمية أو دولية.. ولكن السؤال الكبير في المسألة كلها هو: من يشعل الصراعات والنزاعات والفتن والحروب ويخطط لها ويمدها ويغذيها؟ من يوفر لها الأسباب ويزودها بمواد الاشتعال؟ تلك المواد التي تتكون من مشاريع كراهية وفتن متنوعة وفق توقيتات مدروسة إلى الأسلحة بأنواعها الخفيفة والثقيلة والتدميرية المحرمة دولياً، إلى صناعة المنظمات والجماعات التكفيرية المتطرفة والصمت عن جرائمها.

والآن ما هي أبرز أشكال المتاجرة بقضايا اللاجئين والنازحين خاصة في تركيا والأردن ولبنان؟

1- الإعلان في وسائل إعلام هذه الدول بأن لا طاقة لها باستيعاب هؤلاء النازحين الذين يتزايد عددهم حسب ادعاءاتها، وأن الإمكانات المقدمة لهذا الغرض من قبل بعض الدول والهيئات الدولية المتخصصة لا تفي بالغرض لتقديم ما يلزم لهؤلاء اللاجئين والنازحين. ونخص بالذكر هنا وسائل الإعلام الرسمية التركية والأردنية واللبنانية، التي تنوه دائماً لهذا الأمر وتركز عليه، في الوقت الذي تؤكد أوساط دولية مطلعة أن هذه الإمكانات كافية لو أنها تصل إلى مستحقيها.

2- الانتهاكات غير الإنسانية وغير الأخلاقية التي تجري في مخيمات اللاجئين والنازحين في كل من تركيا والأردن ولبنان، لاسيما منها المتاجرة بالجنس، وإجبار الكثير من الفتيات الصغيرات على الزواج من أثرياء ومتنفذين خليجيين، أو على ممارسة البغاء مع الأغنياء وكبار تجار المخدرات والمافيات عن طريق مجموعات متخصصة بهذا الشأن لقاء مبالغ زهيدة وتأمين لقمة العيش.

3- إجبار الكثير من أطفال هذه المخيمات على التجنّد في صفوف المنظمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها، وإقامة معسكرات تدريب لهم على السلاح، وزرع العبوات الناسفة، علماً بأن معظم الأطفال الذين يجنّدون هم دون سن الرابعة عشرة من العمر، علاوة على أن بعض المنظمات تستخدمهم في كثير من الأحيان بمثابة (دريئة) لوقابة الإرهابيين.

4- تتعرض مخيمات اللاجئين والنازحين في هذه الدول للعديد من عمليات الدهم والتفتيش والاعتقالات والضرب المبرح من قبل سلطات هذه الدول تحت ستار البحث عن مطلوب، أو قمع حالات مزعومة من الفوضى والإخلال بقوانين الدولة، ومما يؤكد ذلك عودة الكثير من هؤلاء اللاجئين إلى سورية من لبنان وتركيا والأردن.

5- القيام بحالات عقاب جماعي في المخيمات بين الحين والآخر من قبل الجهات الأمنية المسؤولة عن هذه المخيمات، دون التمييز بين رجال وأطفال ونساء وشيوخ وحتى عجزة.

هذه بعض الأمثلة، وهي أكثر من أن تعد، عن مسألة المتاجرة باللاجئين والنازحين، إضافة إلى الحالة المزرية للمخيمات التي أقيمت لهم في هذه الدول، ما أدى ويؤدي إلى انتشار الأمراض، خاصة بين الأطفال والصغار.

إن ما ذكرناه أعلاه عن أحوال النازحين واللاجئين يفضح هذه المتاجرة الرخيصة وأساليب الفساد والإفساد فيها، وما ينشر أو يتسرب أو يكشف عنه، هو رأس جبل الجليد،ومضاعفاته تنعكس على حياة من يعانون منه، ولكنها تفضح في الوقت نفسه تباكي الحكومات والجمعيات والمنظمات التي تدعي أنها ترعى العمل الخيري وحقوق الإنسان، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن هذه الجهات والحكومات التي يوجد فيها اللاجئون والنازحون لا تملك حساً إنسانياً، أو لا تخشى عقبى ضمير ولو لمرة واحدة، وبالتالي فهي لا تحمل من العمل الخيري الإنساني إلا اسمه فقط.

إلى جانب ذلك فإن ما تطلق على نفسها اسم (المعارضة السورية)، والتي تحولت إلى عصابات قتل وإجرام وسلب ونهب، وإلى جهات استخبارية لأعداء شعوبها، تخلت عن الضمير الإنساني في تعاملها اليومي المادي والمعنوي مع الناس في الأماكن التي تسيطر عليها، الأمر الذي يؤدي إلى سقوط ضحايا يومية تتضاعف أعدادها، سواء للنزوح أو اللجوء أو الموت ضرباً أو شنقاً أو رجماً بالحجارة أو بالجلد، وحتى بعقوبة (العض) حتى الموت التي مارستها إرهابية (سعودية) من (داعش) بحق مواطنة بريئة في الرقة كانت ترضع طفلتها الصغيرة في مدخل أحد الأبنية بذريعة أنها انتهكت الشريعة بهذا العمل.

إن جرائم المتاجرة بقضايا النازحين واللاجئين تعد مؤشرات واضحة على الاستهانة بالبشر وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.

العدد 1105 - 01/5/2024