الدراما مخالفة للواقع أم للقانون؟!

من أبرز عوامل نجاح وتقدم المجموعات الحديثة هو الاهتمام بالعلم والأدب والفن الذي هو نتاج لأفكار ومواهب وعبقريات غيّرت مجرى التاريخ لصالح الإنسانية. فكان على هذه المجتمعات توفير الحماية القانونية لهؤلاء المبدعين من علماء وأدباء ومفكرين، ولإنتاجهم الذهني الشغوف بنقل المعاناة الإنسانية من كافة جوانبها، في مجتمعات تقودها الغرائز والطماع والتشوهات النفسية والخلقية والجسدية والصراعات التي تقودها المصالح يتغالب فيها الشر والخير.

فقد جرى رصد هذه التفاعلات الإنسانية خلال أعمال فنية نقلها كتّاب خلدت تاريخ الشعوب (سينما، مسرح، غناء، دراما) ففي أي مجتمع حضاري هناك وجه يخفي آلام داخلية لابدّ من نقلها عبر هذه الأعمال الفنية التي تحاكي الوضع الإنساني، وتلامس قضاياه بتنوع مفردات حياته بصدق ورقي وتعكس الهم العام.

فقد كفل الدستور السوري لعام 2012 حق الحرية الفنية صراحة في نص المادة (31):

 (تجمع الدولة البحث العلمي وتكفل حرية الإبداع العلمي والأدبي والفني والثقافي)

 وأيضاً كفل حماية التنوع الثقافي بالمادة التاسعة منه إذ نصت على:

 (يكفل الدستور حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته وتعدد روافده باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية).

وأيضاً في باب حماية الحقوق والحريات نص الدستور في المادة 34 على:

 (لكل مواطن حق السهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك)

 كما نصت عليه المادة 42 فقرة 2 (لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة).

فلا يوجد في القانون السوري تعريف قانوني للفن، وإنما تضمن تنظيم نقابات واتحادات خاصة بالفنانين ضمن الشروط الواجب توافرها في طالب الانتساب إليها.

فقد دعمت الدولة السورية الفنانين مادياً ومعنوياً، وهذا ما شكل دعماً لصناعة الدراما السورية وانتشارها، فحجزت مكاناً مرموقاً لها في السنوات الماضية في الدول العربية كافة، وكان لها أهمية ودور في خدمة الأهداف السياسة والثقافية والقومية والوطنية وخدمة السياحة في سورية من خلال المساهمة في إيصال نهج سورية المبدئي والثابت إلى الرأي العام في جميع المجتمعات العربية.

وهذه الدراما التي – عكست الصورة الحقيقية للمجتمع والسياسة السورية، أصبحت واحدة من أهم الصناعات الاقتصادية والثقافية التي تساهم في رفد الدخل القومي للوطن والمواطن.

وبصدور المرسوم التشريعي رقم33 لعام 2012 القاضي بأن تُعفى بنسبة خمسين بالمئة من الضرائب والرسوم المالية والجمركية والبلدية ولمرة واحدة المستوردات الخاصة بمؤسسات وشركات الإنتاج الدرامي من القطاعين العام والخاص. كما تُعفى هذه المؤسسات والشركات بنسبة خمسين بالمئة من ضريبة الدخل المترتبة على أرباح الإنتاج الدرامي وتسويقه لمدة ثلاث سنوات بدءاً من تكاليف عام ،2012 وإعفاء الأعمال الدرامية من الرسوم وأجور التصوير في الأماكن والجهات العامة.

هذا المرسوم أسهم في دعم الدراما السورية والحفاظ على ألقها في إطار استراتيجية الدولة لتطوير الدراما السورية كصناعة وطنية حققت ريادتها وتقدمها على مستوى المنطقة، وكذلك هدف المرسوم توفير بيئة تشريعية مناسبة لدعم الدراما وترسيخها كصناعة وطنية متميزة، والانتقال بها من الفضاء العربي إلى الفضاء العالمي.

فقد شهدت الساحة السورية خلال الأزمة التي تمر بها تبدلات متسارعة على كل الأصعدة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وكان الأثر ملحوظاً على الدراما السورية فنياً وتقنياً وإنتاجياً، خاصة أنها اعتمدت في السابق على محاكاة الواقع، إذ أمكنها التعبير عنه والتأثير به والولوج درامياً وبصرياً إليه. إلاّ أن هذه التبدلات الحادة مزقت النسيج الاجتماعي، مما جعل هذه الصناعة تعاني من مواكبة وقراءة هذه التحولات. فقد طرحت أفكار اجتماعية جريئة جداً لم نعتد عليها، تنمُّ عن فساد أخلاقي من قضايا الخيانة الزوجية والمحرمات الاجتماعية، وهذه القضايا لم يخلُ مجتمع ما منها عبر الزمان والمكان. في مجتمع تحكمه ثقافة اجتماعية مختلفة ومتنوعة، منها من يقبل بالطرح تحت اسم الحرية، ومنها من يرفضها تحت اسم المحافظة على العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية واتهام العمل بالسطحية والابتذال في مجتمع كثرت فيه المفاسد في ظل صراعات وعلاقات اجتماعية خائنة متناسية طرح قضايا أخرى تهم المجتمع والشباب.

وبما أن القيود المفروضة على حرية الفن في القانون الوطني هي عدم جواز امتهانه ما لم يكن هذا الفرد منتسباً للنقابات المعنية به، وعدم تجاوز الفن للأسس الوطنية لسلمية وسائل التعبير عنه أو بمشروعية الهدف، فلا توجد أي أحكام قانونية تقيّد بعض الأشكال الفنية التي تعارض النظام العام والآداب العامة. وكما أن الجهات المعنية باتخاذ التقنيات المفروضة (الرقابة) على الأعمال الفنية هي وزارة الثقافة ووزارة الإعلام فلا توجد قيود على الأعمال الفنية، بشرط عدم إثارة النعرات الطائفية، وذلك توافقاً مع أحكام الدستور السوري. فالدراما تطرح كل ما لدى الإنسان من تناقضات ليس لتبريرها وتسهيل تفهمها، وإنما للتصدي إلى أسبابها بأسلوب حضاري بعيد عن الوقاحة في الطرح والتقديم، وأن يعكس صورة واقعية حقيقية.

 فالدراما صناعة هامة، والحفاظ عليها في ظل الهجمات التي تطالها واجباً وطنياً، فعلى الجهات الحكومية السماح بافتتاح قنوات فضائية جديدة، وإنشاء معاهد تخرج أكاديميين في جميع مجالات الدراما التي تحقق مردود إيجابي في المستقبل.

 

العدد 1105 - 01/5/2024