الدراما السورية مرآة تعكس الواقع

في كل عام تُطل علينا الدراما السورية بأعمال مميزة، وتكون السباقة عربياً من حيث أعلى نسبة مشاهدة، وتحصد في كل عام النجاحات والعديد من الجوائز في المهرجانات وحفلات التكريم.

ولطالما كانت الدراما السورية في العقود الأخيرة قدوة للدراما العربية لما يمتلكه كتّابها ومؤلفوها من إبداع وتميّز في تناول النصوص وحياكتها، فضلاً عن ذكاء مخرجيها وإبداع ممثليها.

كل تلك الاعتبارات للدراما السورية جاءت نتيجة اقتباس تلك المسلسلات من الواقع السوري، ومحاكاته للقصة أو الصورة بشكل صادق وجلي وكأنها مرآة تعكس هذا الواقع. إذ اعتمدت هذه الدراما في عملها على طرح مشاكل معينة يعيشها المجتمع السوري سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو دينية… ولكن بمصداقية عالية وتركيز على أصغر التفاصيل فيها حتى تصل الفكرة للمشاهد، ويشعر وكأنه يعيشها أو يعرف أصحابها.

كما أنها تحاول طرح تلك المشاكل أو المعاناة المجتمعية بأكثر من أسلوب كالأسلوب الواقعي أو الكوميدي أو الناقد…

ولكنها لم تكن لتقف عند طرح الفكرة وإثباتها أو نشرها على أنها مرض أو عائق لا يمكن التخلص منه، بل تحاول جاهدة في نهاية كل مسلسل أن تجد أو تتلمس بعض الحلول بشكل أو بآخر، وربما تترك النهايات مفتوحة أحياناً من باب إتاحة المجال أمام وعي وفكر المشاهد على اختيار ما يناسبه من حل لبعض أوجاعه أو مشاكله.. غير أنها لم تترك المرض ليستفحل ويصبح وباءً على المجتمع.

أما ما شاهدناه هذا العام في الدراما السورية، وحول الجدل الكبير الذي لاقاه عدد كبير من المسلسلات التي تتحدث عن المجتمع السوري في ظل الحرب والأزمة، وحول ما شاع من انحلال أخلاقي وانحراف، ومحاولة رصد مصادر ثراء مجهولة، نجد أن هذه المسلسلات فعلاً تحاكي الواقع السوري في ظل حرب أتت على كل شيء.

فنحن نرى ونسمع يومياً الكثير من الحوادث المشابهة، وبالتالي فإن ما ترصده الدراما عبارة عن حالات موجودة في الواقع، وتنتشر خلال الحرب في أي بلد، ومع أنها قد لا تكون صفة عامة لتلك المجتمعات في حالة السلم، لكنها انتشرت بشكل أوسع في ظل الأزمة لأسباب متعلقة بالوضع الراهن منها غياب السلطة والأهل والأمن.

إلاّ أن الدراما لم تكن عادلة هذا العام إلى الحد المطلوب، فرغم وجود هذه الحالات الفردية في المجتمع إلا أنها لا تشمل المجتمع السوري بأكمله، لأن الغالبية لم تتأثر قيمها وأخلاقها بتلك الحرب بهذا الشكل الكبير، كما أنها لم تطلق الحلول لتلك المشاكل كما اعتدنا عليها.

ومن جانب آخر، فإن من أساء إلى المجتمع السوري وتاريخه بشكل أكبر، هو تلك المسلسلات التي تتناول حقبة زمنية قديمة، والتي تتحدث عن زمن الانتداب الفرنسي وعن الصورة التي أظهرت فيها المجتمع السوري أنه مجتمع (حاضر ابن عمي) و (أمرك عكيد)  في حين أن تلك الفترة كانت تحفل بالعديد من المدارس والجامعات، إضافة إلى انتشار الثقافة والوعي الاجتماعي إلى حدود تتناسب ومع تلك الحقبة. إن تلك الأعمال التجارية أساءت لأولئك الذين عاشوا في تلك الفترة وأطلقوا عليهم صفة الجهل والتخلف، وشوهوا التاريخ العريق لسورية.

فسورية هي الحضارة والتاريخ، وهذا ما ينبغي طرحه والتركيز عليه في المسلسلات السورية كافة، والابتعاد عن كل الصور التي تسيء إليها، وحذف كل تلك المشاهد التي تظهرها على أنها ساحة يتصارع فيها الجهلة وضعاف النفوس وعديمي الثقافة.

العدد 1105 - 01/5/2024