مفهوما الزواج والطلاق في ظل الحرب

الطلاق في زمننا الحاضر بدا وكأنه إحدى صرعات الموضة التي يلاحقها جيل الشباب، وكما هي العادة، عن جهل واتباع أعمى، فإننا نعلم أن مصطلح (الطلاق) في مجتمعنا هو من أشد المصطلحات رفضاً، وذلك نظراً لما تقتضيه القيم والمبادئ والدين في مجتمعنا.

و لكن بالنظر إلى الظروف التي تمر فيها البلاد، وما تخلفه الحرب الدائرة من تشويه للقيم والأخلاق، فإن قاعات المحاكم الشرعية باتت تغصّ بقضايا الطلاق، وتحديداً لحديثي الزواج من جيل الشباب.

فالزواج كأي مشروع جديد في حياة الفرد لا بدّ من دراسته، وتحديد إيجابياته وسلبياته. فهو عبارة عن خبرة تصقلها الأيام، وتقوّيها العشرة والتفاهم بين الزوجين.

تبعاً لكل الأديان فإن الطلاق هو من أصعب الأمور التي لا يبت فيها إلاّ بعد محاولات فاشلة في إصلاح المشاكل بين الزوجين. كما أننا كنّا نرى حالات الزواج بين أتباع أديان ومذاهب مختلفة، ولم تكن توجد هذه الفروقات أو النزاعات، ولم تكن يوماً ما عائقاً أمام الزوجين، إلاّ أن ما أشعله فتيل الحرب من فروقات طائفية ومذهبية ومادية، وسياسياً، بات الأمر أشبه بالمستحيل، فبدت الخلافات تظهر بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين الأحباء رغم أن الحب موجود لكن تلك الفروقات بدت أقوى منهم.

لم تعد الأسرة تبحث لابنتها عن الزوج المثقف أو الخلوق أو ذو الأصل الكريم، بل إنها تركز في المرتبة الأولى على العريس الأعلى رصيداً في البنك، فهذا بات أولوية نظراً للظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها المجتمع في ظل الأزمة. فبنظرهم المال يجلب الحب والتفاهم والأخلاق والسعادة، ولكن ما يفاجئهم بعد عدة أشهر من الزواج حالة ابنتهم التي باتت تعاني الأمرّين، وتريد الخلاص بأسرع وقت، فلا يجدون أنفسهم إلاّ وهم يقتادون ابنتهم إلى المحكمة، ويسعون للحصول على الطلاق بكل الوسائل. وهذه نتيجة جد طبيعية للاختيار الخاطئ.

وفي لك الحالة باتت تلك الفتاة نتيجة أنانية الأهل واختيارهم الخاطئ (امرأة مطلقة) يرميها المجتمع بأحكامه المتخلفة، ويراها عديمو الأخلاق لقمة سائغة وأداة في متناول أيديهم كما يظنون، فيحرم عليها الخروج من منزلها إلاّ بوجود المرافقة الذكورية من أهلها، وكأنها بخروجها وحدها من المنزل سوف ترتكب أفعالاً لا أخلاقية، أو كأنما من طريقة مشيها في الشارع سوف يعلم المارة أنها (مطلقة)، وسيحاولون المساس بها، وعندئذ سيحاول  أهلها تزويجها لأي (عريس) حتى ولو كان بعمر والدها، فقط للتخلص من تلك العالة لديهم، فهي الآن ستدفع ثمن أخطاء غيرها دون ذنب، وستدفع ثمن براءتها الزائدة في هذا المجتمع الذي يكون أحياناً أشبه بالأدغال. هي (أنثى) لكنها ليست سلعة للبيع أو للاتجار، فلو أنها تلقت المعرفة الكافية والصحيحة والتعليم، لما بدت بتلك البراءة، ولم تكن لتقبل بذلك الزواج، بل كانت ستظهر أمام هذا المجتمع أنثى بعنفوانها بقوتها بثقافتها وعلمها وحبها للحياة السامية، ويكاد الجميع يحسب ألف حساب قبل أن يتقدم طالباً الزواج منها.

العدد 1105 - 01/5/2024