ذروة المشروع الأمريكي.. اشتداد الهجوم على دمشق

من الهام جداً في مثل هذه الظروف، والأزمة.. تنشيط الذاكرة الشعبية، لبيان الوقائع والتصرفات الأمريكية، في العامين الأخيرين 2013 و 2014 لمتابعة المشروع الأمريكي المدعمْ سعودياً وقطرياً المرسوم لسورية والمنطقة، بعد خروج الجيش الأمريكي من العراق، وتأهيله في العام 2014 للخروج من أفغانستان، والعودة إلى المنطقة بـ(وجه أبيض) لاحتواء سورية وإيران، وتوجيه ضربة واضحة إلى روسيا والصين ولمجموعة دول البريكس على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

وهذا المشروع يرتكز على المصالح الجذرية للطغم المالية البنكية، ومنها قطر والسعودية، وإسرائيل.. وذلك في مرحلة أصبحت فيها الإدارة الأمريكية والجيش الأمريكي موظفين لصالح الطغم المالية البنكية والمجمع الصناعي الحربي، ممثلاً للديمقراطيين والجمهوريين معاً.

وفي العودة إلى دراسة النشاط العام الأمريكي يجب التمييز بين التحركات الحقيقية والتحرك المزيف والمغطى بكافة الأشكال الدعائية والتحريضية، والاستعراض لبعض القادة الأمريكيين الذين يتحدثون شيئاً ويضمرون شيئاً آخر مغايراً له.

فأمريكا والسعودية ومن لف لفهما، خسرا العراق، وكان ذلك واضحاً في المواقف العراقية من الأزمة السورية، والإعلان الحقيقي للحكومة العراقية في الوقوف إلى جانب سورية في حربها على الإرهاب وإقامة العلاقات مع إيران، ثم الاتفاقية المعقودة مع روسيا لتوريد السلاح بكافة أنواعه، وكان توطد هذا الحلف العربي مع روسيا وزيارة السيسي إلى موسكو، تغييراً واضحاً في الوضع العالمي والعربي معاً.

وفي لقاء واضح بين لافروف ووزير خارجية السعودية، التهديد الواضح لروسيا بتحريك الإرهاب في آسيا الوسطى، هذا جانب، أما الجانب الآخر فإنّ تسلسل الأحداث في العام 2014 يبين بشكل واضح الممهدات والمقدمات التي قامت بها الإدارة الأمريكية لتشكيل ما يسمى دولة الإسلام في العراق والشام (داعش).. وذلك لفرض المشروع الأمريكي على العراق وسورية باسم الجهد الأمريكي للحرب على داعش، والذي يمهد الإمكانية الواقعية لخروج الجيش الأمريكي من أفغانستان دون أية مشاكل له من قبل طالبان، إذ كانت قطر والسعودية تعملان مع طالبان من أجل (المصالح) مع أمريكا، في إطار مشروع لطالبان تنتقل بموجبه فصائل كثيرة لها من أفغانستان إلى العراق وسورية، وعملياً تم الاتفاق مع طالبان، في لقاءات أمريكية معها في الدوحة والسعودية، وبعضها لم يعلن عنه نهائياً، جرى فيه الاتفاق مع الإدارة الأمريكية، ممثلة بالمخابرات المركزية الأمريكية، وبندر بن سلطان، وبدعم مالي دولاري، لقادة طالبان، على أن تسلح هذه الفصائل من مخازن الجيش الأمريكي، وبأسلحة متطورة، وبعد تدريب واضح دام ثلاثة أشهر في أفغانستان، ثم في الأردن حيث وضعت بعض اللمسات الأخيرة على تدريب قادة الفصائل المسلحة باسم (داعش) في الأردن بإشراف مباشر من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، وبأحدث معدات الاتصال والرصد، على الحدود السورية الأردنية، والسورية الإسرائيلية، والسورية التركية، مع تجهيز قمر صناعي ممول من قبل السعودية، لمساعدة هذه الفصائل.

وقبل شهر من انتشار داعش في العراق أعلنت الإدارة الأمريكية الإفراج عن خمسة قادة من طالبان إرضاءً لها، كانت المخابرات الأمريكية قد جهزتهم، في سجؤن غوانتانامو، ليكونوا القادة الفعليين لـ(داعش) في العراق وسورية، وكان مجموع أفراد الفصائل من طالبان وطالبان باكستان ما ينوف عن 60 ألف مقاتل، قسم منهم تدرب في القتال ضد الجيش الأمريكي في أفغانستان وباكستان.

لم تقم أمريكا بالضغط الكبير على العراق، في محاولة منها لترتيب القوى السياسية في العراق للصالح الأمريكي، والمشروع الأمريكي في المنطقة، ولذلك تجمعت فصائل (داعش)، في منطقة محددة، وهي محافظة الموصل، إذ يمكن للعراق أن يواجه هذا التجمع الوافد في العراق، في حين انتشرت (داعش) في كافة المناطق السورية، وشكّلت العديد من الجبهات القتالية أمام الجيش العربي السوري المدعم بحلفاء وأصدقاء سورية، ورغم كافة المحاولات والعمل من تحت الطاولة لم تتمكن الإدارة الأمريكية من تغيير المسار السياسي والعسكري لسورية في تحالفاتها الدولية والإقليمية والعربية، ولم تقبل مصر بالمشروع الأمريكية – السعودي – الإسرائيلي لتقسيم سورية طائفياً.

جاء الهجوم الأخير على أطراف دمشق محاولة أمريكية سعودية واضحة لقبول سورية بالمشروع الأمريكي المسمى الحرب الأمريكي على (داعش)، ورغم المحاولات الأمريكية والغربية أن يكون قرار مجلس الأمن مناسبةً للتدخل بسورية، لم ينجح هذا الأمر كما لم تنجح الدعوة الأمريكية لإدخال المخابرات المركزية الأمريكية إلى سورية، لاستطلاع الواقع العسكري لـ(داعش)، كما لم تقبل سورية دون التنسيق العسكري معها، ضرب (داعش) بالطائرات الأمريكية دون طيار، وهي سيئة السمعة المجربة في باكستان وأفغانستان ضد المدنيين، وكذلك في اليمن، حيث تعمل الإدارة الأمريكية باسم الحرب على الإرهاب في اليمن، وضعَ السعودية تحت الخوف والرعب من الإرهاب لاستمرار قبولها بالمشاريع الأمريكية تمويل هذه المشاريع في المنطقة باسم الحرب على الإرهاب.

تقوم الطغم البنكية الأمريكية باسترداد الدولارات من الخليج العربي وتلك مسألة حياتية بالنسبة لهذه الطغم .

كان الهجوم على أطراف دمشق في الشهر التاسع من العام 2014 ذروة المشروع الأمريكي لإركاع سورية واستغاثتها وقبولها بالتدخل الأمريكي في سورية، ولقد تناغم ذلك مع بعض التصرفات الداخلية، إذ ارتفعت الأسعار في دمشق، كما ارتفع سعر صرف الدولار مقابل العملة السورية، وكان ثمة عمل مشترك بين المشروع الأمريكي وذروته، وبين تجار الأزمة والبورصة، خاصة في دمشق، ومن هذا الواقع تتضح معالم جديدة، تظهر حقيقة ذلك التحليل العلمي بوجود قوى داخلية تتناغم مع المشروع الأمريكي ضد التحالف السوري مع روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية.

لقد جاءت حكومة نتنياهو مخصصة لهذا التهويد كاملة من أجله، لم يستطع بندر بن سلطان تغيير موقف المؤسسة الدينية السعودية من الإخوان المسلمين المتمركزين في قطر وتركيا ومصر.. وفشل المشروع الأمريكي لإحداث هذا التقارب، والإطباق على دمشق من الغوطة الشرقية، التي يتحكم بها الوهابيون السعوديون، ومن الغوطة الغربية لدمشق، التي يتحكم بها الأخوان المسلمون، وبالتالي فشل المشروعان السعودي والقطري والتركي معاً.

وكان لابد من الدخول الأمريكي على المشروع الذي لم تحققه السعودية وقطر وتركيا، والمستهدفة به ضرب التحالف الدولي الجديد، الممثل لدول بركس، وبعض دول المنطقة، وهو التحالف الصناعي الدولي الكبير، في وجه التحالف الحالي العالمي، الذي ترأسه الطغم المالية الدولارية البنكية تعتمد بذلك على المجمع الصناعي الحربي الأمريكي، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والبنك الاحتياطي الفيدرالي.

العدد 1104 - 24/4/2024