تقارب الأجناس الأدبية

يعتبر الشعر جنساً أدبياً من أقدم الفنون الأدبية، لقربه من المشترك الإنساني وعلوقه بقاع النفس البشرية، وقدرته على إخراج ما بداخلها إلى السطح.. ولعلاقته أيضاً بالموسيقا وفن الرقص، إذ من الصعب من حيث النشأة الفصل بين الشعر والموسيقا والرقص، وما تملكه من قدرة على التأثير إلى حد مجاورتها للسحر.

من الملحمة كما يجمع الدارسون خرجت الأجناس الأدبية، وكي لا نعيد نظرية (لوكاتش) حول الأجناس الأدبية وعلاقاتها بمفهوم التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية، وحتى لا نقع في مهاوي الانعكاس الميكانيكي/ علاقة الأدب بالواقع/، هذه العلاقة شديدة التعقيد والخصوصية بآلياتها وكيفيات تجليها عبر الذات المبدعة للكاتب.

نلاحظ اليوم وكأن الأجناس الأدبية قد بدأت بالتقارب إلى حد التمازج والاندماج، والتداخل الأجناسي، معيدة السيرة الأولى لنشأة الأدب. هذا التداخل مفهوم على ضوء مقولة انفتاح المكان وسرعة المبادلات الثقافية عبر ثورة الاتصالات وحالات التواصل الإنساني وتجاوز الحدود الجغرافية وتدوير الزوايا والبحث عن المشترك أدى إلى تجاوز الحدود بين الأجناس.

هل نحن أمام عودة إلى البدايات وكأن الحياة تدور في خطوط دائرية مغلقة لا تسير باتجاه الأعلى مولدة أجناساً أدبية جديدة وأشكالاً فنية لا تستطيع أن تقطع علاقاتها بماضي نشأتها؟! سؤال تحتاج الإجابة عنه إلى مزيد من البحث والتقصي قبل إصدار الأحكام الموجودة في أجنة المستقبل.

ثمة أدباء يكتبون أكثر من جنس أدبي: الشعر، القصة، الرواية، المقالة الأدبية.. والسؤال الذي يطرح: ألا يشكل هذا التنوع الأجناسي إضعافاً للنوع أو الجنس الأدبي، فلو كرس الأديب جهده وركز إمكاناته وطاقاته الإبداعية لجنس واحد، أفلا يكون المردود أفضل نوعياً وكثافة، وقدرة على التأثير، آخذين بالحسبان أن كل جنس أدبي يحتاج إلى مهارات ومرجعيات تختلف وتتفاوت عن الجنس الآخر، كالثقافة وحوارية المعارف إضافة إلى الموهبة التي تتطلبها جميع الأجناس الأدبية.

يعتقد عدد كبير من الكتاب أن في نفسه فيضاً من الإمكانات والمهارات قد لا يستوعبها جنس أدبي واحد، وهو عندما يشرع في الكتابة لا يفكر كثيراً في الجنس الأدبي الذي سيسكب فيه خلاصة تجربته الحياتية وخبرته الفنية.

الأشكال الإبداعية لا تتحدد مسبقاً، وهي وليدة الحالة الانفعالية، هذا صحيح، في الشعر مثلاً(قصيدة الشطرين، قصيدة التفعيلة، قصيدة النثر)، ولكن كيف يمكن أن نصدق أو نوافق كاتباً لا يحدد الجنس الذي سيكتب فيه مسبقاً؟ فالاختلاف بين مكونات الرواية (بنية وشكلاً) ومقوماتها تختلف نوعياً عن عناصر الشعر ومكوناته، فإن كان التشابه والعلاقة واضحين بين القصة والرواية، فهي بعيدة عن الشعر والرواية أو المقالة الأدبية.

تبقى المشكلة قائمة في الممارسة العملية وعلى المستوى النظري، وليس الحل كما يدعي بعضهم في نوع واحد موحد يسمى (الكتابة)، فهذا موضوع آخر لا يقل تعقيداً وأهمية.. فلممارسة الكتابة -إطلاقاً- لابد من إتقان كافة الأجناس الأدبية السابقة لها.

العدد 1105 - 01/5/2024