ملاحظات حول الانتخابات في المنظمات الشعبية والنقابات المهنية

جرت وتجري الآن في سورية انتخابات نقابية في العديد من القطاعات، بدءاً من الانتخابات العمالية وانتهاء بالنقابات المهنية، ومنها انتخاب نقابة المحامين والصيادلة مؤخراً.

والمتابع لمجريات بعض العمليات الانتخابية التي جرت وتجري، إن لم يكن مجملها، يلاحظ أنها جرت بالآلية ذاتها التي كانت تجري فيها في السابق، أي قبل دخول سورية المرحلة الحالية. ودون مراعاة المتغيرات التي حدثت على الصعد كافة، ولا سيما في المجال الدستوري، ذلك أن دستوراً جديداً وضع البلاد في مرحلة جديدة يجب أن تختلف كلياً في ممارستها الديمقراطية وآلياتها عن المرحلة التي كانت تدار بها هذه النقابات بآلية (الديمقراطية الشعبية).

إن الدستور الحالي الذي ينص في مادته الأولى على ما يلي: الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، وفي مادته العاشرة يعرّف (المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات ـ هيئات تضم المواطنين من أجل تطوير المجتمع وتحقيق مصالح أعضائها، وتضمن الدولة استقلالها وممارسة رقابتها الشعبية ومشاركتها في مختلف القطاعات والمجالات المحددة في القوانين، وذلك في المجالات التي تحقق أهدافها وفقاً للشروط والأوضاع التي بينها القانون).

وجاء في المادة الثانية عشرة:

(المجالس المنتخبة ديمقراطياً على الصعيد الوطني أو المحلي مؤسسات يمارس المواطنون عبرها دورهم في السيادة وبناء الدولة وقيادة المجتمع).

من خلال هذه النصوص الدستورية أعتقد أن من واجب النقابات تطوير المجتمع، ولا يتم ذلك باعتقادي إلا من خلال تطوير الآليات الديمقراطية داخل هذه النقابات لتصبح مركز جذب لكل المنتسبين إليها، كما يمكنها من أن تكون أداة فاعلة في زيادة الوحدة الوطنية وتكون أداة حوار حقيقته داخل المجتمع تزيد من تفاعل أطيافه السياسية وتقاربها ، وتعيد الثقة بالعملية السياسية، وتسهم في تطوير عمليات المصالحات، وتعزز الصمود الوطني، وتبرز الوجه الديمقراطي الخاص ببلدنا، الذي يمكن من خلاله إيجاد حلول لمشاكل المواطنين الاقتصادية والحياتية، كما يمكن من خلاله أيضاً عزل بؤر الفساد ومحاربتها.

ومن أجل الإيضاح ووضع النقاط على الحروف أحاول أن أبين الآلية السابقة، والآلية التي يمكن أن تكون أكثر ملاءمة في المرحلة الحالية، حسب ما أعتقد.

في السابق كانت تجري الانتخابات على مستوى دوائر صغيرة (وحدات) نقابية، ثم على مستوى الشّعب، ثم على مستوى الفروع، ثم المؤتمر العام لانتخاب أعضاء مجالس النقابات.

ومن مثالب هذه الآلية أنها، كانت تجري دون برامج محددة للمرشحين ودون زخم وحشد، بل كانت تجري عبر مراكز القوى والتوافقات (أحزاب جبهوية وجهات أمنية وعلاقات خاصة.. إلخ).

أي كان الهمّ هو الوصول إلى الموقع القيادي لتحقيق غايات وتطلعات قد لا تصب بمجملها في المصلحة العامة. إن تغير الآلية والانتقال إلى الجديد يفترض توسيع المشاركة أي مثلاً الانتخابات للنقابات المهنية (أطباء ـ أطباء أسنان ـ صيادلة ـ محامون)، أن يتم انتخاب الفرع مباشرة من قبل أعضاء الفرع دون المرور بمرحلة الوحدات والشعب، لأن مكتب الفرع هو الذي يمارس العمل الحقيقي على الصعد كافة.

وهذه الآلية أعتقد أنها تمكن من التنافس وتخلق التحالفات الحقيقية، ويمكن لوسائل الاتصال الحديثة أن تساعد على الترشح والانتخاب عبر الإنترنت مثلاً.

إن هذا الاقتراح محاولة لكسر الحلقة التي أعتقد أنها تعيق تطوير العملية الديمقراطية داخل النقابات والاتحادات النقابية، ومثال على هذا المقترح يمكن أن تجرى انتخابات نقابات كبرى كالمعلمين والعمال بحيث تتوسع أطر الديمقراطية.

إن ما ينطبق على النقابات ينطبق على الأحزاب والتكتلات السياسية ـ إذ يجب عليها توسيع الممارسة الديمقراطية الداخلية لتكون أكثر فاعلية وأكثر علانية وشفافية.

أعتقد أنه بات من الضروري إحداث انعطاف كهذا في المجال الديمقراطي للتوافق مع المتغيرات الدستورية التي حدثت، وبإجراءات كهذه يمكن أن نقول إن الدستور كائن حي يترك لنا بصمة في حياتنا، وليس حبراً على ورق كما يقال أحياناً.

العدد 1105 - 01/5/2024