في سبيل تفعيل الحوار

 سأتجرأ أنا الشاب الشيوعي (لم أكمل عقدي الثالث) في فتح محاورة مع الشيوعي المخضرم صريح البني الذي نكنّ له كل الاحترام والتقدير. فبرأيي نحن، في القوى اليسارية، بأمسّ الحاجة لأن نثير الأسئلة أكثر فأكثر من أن (نقدم أجوبة، غير جاهزة وغير متسرعة ولا مكررة، عن أسئلة الراهن، وفيها ما هو حديث ومعقد، أكثر من أن تفلح أدواتنا المعرفية، غير المتجددة، في الإجابة عنها) كما أوردت حضرتك.

فربما بطرحنا أسئلة أكثر نقترب من فهم جوانب المسالة بشكل أوضح:

أنطلق بداية من عنوان الملتقى الذي دعي إليه الرفيق صريح من قبل الرفيقين طلال الإمام وغانم بيطار (دور أحزابنا الشيوعية وعموم قوى اليسار والديمقراطية في مواجهة مشاريع تفتيت الدولة الوطنية وفي مواجهة التطرف والإرهاب والطائفية). وأتساءل: هل الصيغة الجمعية للقوى المذكورة كلها معنية بمهام التحدي؟ وللتوضيح أكثر: هل الأحزاب الديمقراطية كلها تحمل فكرة مواجهة التطرف والإرهاب والطائفية؟ ألا توجد أحزاب تدّعي الديمقراطية في نصوصها، وتقف في الصفوف الرجعية؟

لذلك أقول إن الأحزاب الشيوعية واليسارية يضاف إليها الاشتراكية تحمل في هويتها التعريفية مهمات التصدي لذلك الفكر. أما القوى الديمقراطية فهي فضفاضة ولا تؤدي الغرض المطلوب.

– أتفق معك بأن الانتقال إلى الاشتراكية لم يعد سمة العصر، ولكن توجد أحزاب شيوعية (ومنها حزبنا الشيوعي السوري الموحد) ما تزال تحمل هذا الحلم، ولكن وعينا لكيفية الوصول لهذا الحلم تطور، فزال من مرجعيتنا الفكرية ما أوردته حضرتك (أن يقودها بالضرورة حزب الطبقة العاملة)، وأصبح فهمنا لها كما جاء في فصل الاشتراكية في وثائق المؤتمر العاشر، وأكده التقرير الفكري المقر في المؤتمر الثاني عشر فـ (الاشتراكية التي نناضل من أجلها لا تعني أبداً إقامة نظام الحزب الواحد، ولا وضع الديمقراطية الاجتماعية بمواجهة الديمقراطية السياسية، فهما وجهان لعملة واحدة، والعلاقة بينهما علاقة جدلية تكاملية) (الاشتراكية هي الهدف المستقبلي الدائم لنضال حزبنا، وهو ينطلق في نضاله من أجلها من المبادئ الماركسية، والتراث التقدمي العربي والإنساني والدور المميز للطبقة العاملة، وسيادة أشكال الملكية الاجتماعية المتعددة وتعميق مستمر للديمقراطية السياسية. وطريق بلادنا إليها سيكون نتيجة عمل فكري وسياسي ونضال قوى سياسية متنوعة، وبأشكال مختلفة، وتحالفات واسعة، وعبر مراحل انتقالية وخطوات تراكمية قد تستمر طويلاً).

– أتفق معك تمام الاتفاق بأن (النور) في منشوراتها تغلّب الجانب الاقتصادي على عدة عوامل أخرى أدّت إلى ما وصلت إليه البلاد، ولكن النص الوثائقي يبقى أبقى (من الكلام المنشور في الصحيفة). فقد حلل حزبنا مع تطور الأحداث في الأشهر الأولى من عام2011 بأن الصيغة السياسية التي حكمت البلاد على مدار العقود الأربعة الماضية لم تعد تستجيب لمتطلبات الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبمعنى أدق كان التحليل يشمل الجوانب الثلاثة كافة في نشوء الحراك.

– من المحقق أننا لا نستطيع تحديد التركيب الاجتماعي الطبقي للذين رفعوا تلك الشعارات، ولكنك كنت قد بينت أن تلك الشعارات قد توزعت بين مطالبات شبابية بالحرية وأخرى ذات طابع إسلامي ارتدادي. إذاً من الوهلة الأولى نقول غياب الأحزاب ذات التوجه اليساري، وعدم قدرتها على توجيه الشارع نحو بوصلتها الفكرية ورؤيتها لأسباب الصراع ومنها الاقتصادي. وهذا ما يجب البحث فيه، فلقد أعلنت بعض الأحزاب اليسارية السورية (غير المنضوية في صيغة الجبهة الوطنية) تأييد الحراك. ولكن للأسف لم تستطع أ ن تستحوذ على سياقاته، وهذا يدعونا للتفكير بشكل أوسع بضعف الحركة اليسارية في سورية، سواء قواها التي انتظمت في الجبهة أو التي بقيت خارج أطرها.

– ختاماً فأنني سأقتبس مما قدمه الكاتب اليساري عطية مسوح في أحد حواراته، وذلك في سبيل إثارة النقاش أكثر، إذ يقول: (لا أتفق مع من يقولون إن الماركسية هي إيديولوجيا ، ماركس نفسه يعد الإيديولوجيا وعياً زائفاً، لأنها وعي طبقي، أي لأنها تعبر عن مصالح طبقة لا عن مصالح المجتمع وتقدمه. والذين يعدون الماركسية إيديولوجيا ينطلقون من أنها تعبر عن مصالح الطبقة العاملة، وهذا فهم سطحي لعلاقة الماركسية بالطبقة ، ولغاية ماركس من فلسفته. يرى ماركس أن السير في طريق التقدم الاجتماعي هو ارتقاء نحو الحرية، وأن علاقات الإنتاج الرأسمالية حين تهيمن وتترسخ وتعرقل تطور القوى المنتجة تصبح عقبة في طريق التقدم الاجتماعي، ولمواصلة سير البشرية في طريق التقدم والارتقاء نحو الحرية، لا بد من إزالة هذه العلاقات. كما يرى أن الطبقة العاملة معنية بإزالة هذه العلاقات لأنها أكثر الطبقات تضرراً منها، وهكذا تتطابق مصالح الطبقة العاملة مع مصالح تقدم المجتمع، أي أن الغاية في الماركسية هي مصلحة المجتمع، وتأتي مصلحة الطبقة في سياقها. وهكذا فإن الماركسية ليست فكراً لطبقة، أي أنها ليست إيديولوجيا).

العدد 1105 - 01/5/2024