الطلاق في ظل قانون ذكوري

يأتي ضعف المرأة ومكانتها في أحد جوانبه من الأعراف والقيم والتقاليد المجتمعية والدينية، إضافة إلى التشريعات والقوانين المعمول بها والقائمة أساساً على التمييز ضدها، وبالتالي عدم حمايتها من خلال فرض واقع متخلّف يستند إلى ذهنية الزمن التي سُنّت به هذه القوانين مطلع القرن التاسع عشر (قدري باشا) كقانون الأحوال الشخصية السوري الذي لا نزال بصدد المطالبة بتعديله ليتوافق مع روح العصر والمكانة التي وصلتها المرأة على المستويات كافة، ويتوافق أيضاً مع الدستور والمواثيق والمعاهدات والعهود الدولية التي صادقت عليها سورية، لعل أهمها اتفاقية السيداو. كما أننا ما زلنا على قيد أمل أن تخرج التوصيات التي تقدّمت بها اللجنة المكلّفة بدراسة المواد التمييزية ضدّ المرأة في القوانين السورية إلى النور والعلن، كي ترتقي قوانيننا إلى المستوى الذي فرضه تطور وضع المرأة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.  

فرغم أن فالمادة (25) من الدستور تنص على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، إضافة إلى أن المادة2/و من اتفاقية السيداو تنص على:

و – اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.

رغم كل هذا، فإننا نجد أن قانون الأحوال الشخصية يقيّد حقوق المرأة بقيم ومفاهيم ذكورية بحتة تعمل على خدمة مصالح ذكور القبيلة على حساب إنسانية المرأة.

فلنرَ كيف جاءت المواد المتعلقة بالطلاق في هذا القانون:

المادة (86)

محل الطلاق المرأة التي في نكاح صحيح أو المعتدة من طلاق رجعي ولا يصح على غيرهما الطلاق ولو معلقاً.

كيف لهذا القانون أن يُشرّع الطلاق، ثمّ يقيّده بحالات معينة لا يصحُّ على غيرها من الحالات، بالأحرى هو هنا غير واضح، الطلاق طلاق، ومتى شاء الزوجان إنهاء العلاقة بينهما عندما تستحيل الحياة بينهما أن يصلا لحق الطلاق، أم أن هناك أنواعاً من الزواج لا يجوز فيها الطلاق وفق رؤية المشرّع.؟

المادة(91)

يملك الزوج على زوجته ثلاث طلقات.

كأن الطلاق هنا لعبة في يد الزوج يستعمله متى شاء ودون إرادة المرأة، كما أن في هذه المادة استهتار بالمؤسسة الزوجية وإخضاعها لاهتزازات متكررة دون شعور بالمسؤولية.

المادة (102/2)

2- إذا كانت الأم معسرة وقت المخالعة أو أعسرت فيما بعد يجبر الأب على نفقة الولد وتكون ديناً له على الأم.

واضح أن في هذه المادة محاباة للرجل في محاولة لإعفائه من مسؤولياته حتى تجاه أولاده وكأنهم أولادها هي فقط، في الوقت الذي لا يسمح لها القانون لا بالولاية ولا بالوصاية عليهم، وماذا إذا لم تكن الأم عاملة، هل يموت الأطفال جوعاً؟ أليس هذا عنفاً معنوياً ومادياً من القانون والرجل معاً تجاه المرأة والأطفال.؟

 المادة (117) الطلاق التعسفي:

إذا طلق الرجل زوجته وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون ما سبب معقول وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة، جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حاله ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة، وللقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة أو شهرياً بحسب مقتضى الحال.

في هذه المادة منتهى التمييز والعنف النفسي ضدّ المرأة مقابل الصمت عن نزوات الزوج واستهتاره، فانهيار أسرة بكاملها طبيعي، ويكفي أن يقدّر القاضي درجة التعسّف ليحدد لها ولأولادها نفقة، ومرة ثانية وفق حال الزوج ومشيئته المدعّمة من القانون والمشرّع، دون النظر لما قدمته المرأة طيلة سنوات الزواج، ودون النظر للظلم الكبير الذي لحق بها جرّاء طلاق بلا أسباب مقنعة، فقط وفق أهواء الزوج.  

المادة (118/ 1)

  الطلاق الرجعي لا يزيل الزوجية وللزوج أن يراجع مطلقته أثناء العدة بالقول أو الفعل ولا يسقط هذا الحق بالإسقاط.

وهنا عودة  للتساهل بحق المرأة وكرامتها وإنسانيتها سعياً إلى إرضاء نزوات الزوج.

ولا يفوتنا أن هناك طلاقاً عرفياً قائماً على زواج عرفي، الطلاق تكون المرأة بموجبه في مواجهة مصير مجهول ومقلق لأنها خارج نطاق الحماية القانونية، رغم أن هذا القانون وفي كثير من الحالات لا ينصف المرأة في حالات الطلاق والحضانة والنفقة وما شابه، فكيف الحال مع زواج وطلاق عرفيان فيهما من المآسي ما يفوق حالات الطلاق والزواج الرسمي..؟ أجل، ستتحمل المرأة منفردة نتائج زواج ربما كان خارج إرادتها لأنها لم تغادر بعد ملاعب الطفولة، زواج أشبه بورقة في مهب الريح سرعان ما تتطاير أمام أية أزمة عابرة، مخلّفة وراءها عاصفة من المشاكل الاجتماعية والنفسية والمادية التي يصعب حصرها والتعامل معها لاحقاً حين ضرورة اللجوء للقضاء الذي كان بعيداً خلال مسار هذه العلاقات.

العدد 1105 - 01/5/2024