الحرب وتفكك العلاقات الأسرية

تُعد الحرب من أهم الاسباب الخارجية التي تخلف الويلات على وضع العائلات نتيجة عدم الأمان، فهذه الظروف الضاغطة تشعر الأبناء بالنبذ نتيجة انشغال الأهل بالظروف الشّديدة القسوة، نتيجة تعثر سبل الحياة العادية، التي قد تولد حقد الزّوجين أحدهما على الآخر، مما ينعكس سلباً على الأبناء الذين يُسلب منهم المرح والاستقرار.

في جو الحرب تكون الغلبة للسّلطة، والهيبة للأقوى، وهذا ينسحب حتى على الأجواء العائلية، فنجد الذّين يعانون من مآزم خاصة قبل الظّروف العصيبة لهذه الحرب، يظهر مشاكله على السّطح بصورة أقوى ودون روتوش، فتحصل مفاجآت كثيرة بسيطرة الدّوافع النّزوية على أجواء الأسرة.

ونتيجة الأعمال العسكرية التي تخلف التّهجير والسكن الضاغط لعدد من العائلات معاً، وأيضاً الجوع، وفقدان وسائل معالجة المصابين وفقدان الأمن والأدوية، مما له الأثر على نفوس أفراد العائلة واختبارهم روابط جديد ة بينهم، هذه الأجواء العامة للحرب تؤدي إلى خروج عن القيم الإنسانية، حيث يلاحظ انتهاك البعض لحقوق البعض الآخر، مما يفقد الأفراد شعورهم بالسّلام والحريّة والأمن، وينعكس على الانتماء للرّوابط القوية المتصلة بالبلد، ويقاس هذا الارتباط بالرّوابط الأسرية التي ينعكس تفككها على ضعضعة الهويّة.

لابد من التّدليل على أهمية الوعي للآثار الدقيقة المترتبة على نفسيّات الأفراد داخل الأسرة عموما، بأن يُعطى اهتمام أكبر للأسر الهشّة التي أظهرت الحرب ضعف الرّوابط فيها، والاختيار غير الحكيم لكل من الزّوجين..

إن المبدأ النّفسي العام في رصد الشّدة النّفسية المتلقاة نتيجة الصّدمات يدلل على أن ما يعيشه الشّخص من قوة روابط واستقرار قبل وقوع الصّدمة، له أكبر الأثر في حجم ردة الفعل للصدمات، ولما كانت الحرب تعكس أقوى الصّدمات النّفسية على الأفراد الذّين هم في مرمى القّصف بصورة أساسية، فهناك تفاوت في شدة الآثار التي تلقيها الحرب في بلد ما وفقاً لاعتبارات عدة تتصل بحجم الخسائر الواقعة على كل شخص وما يتعرض له من فقدانه لأشخاص مقربين، أو دمار يطول مكان السكن.

 من الملاحظات العيادية التي اختبرتها في عملي العيادي اليومي في السّنوات الأخيرة، وملاحظاتي ومشاهداتي العامة للأسر التي تعرضت للتّهجير، أن تفكك الرّوابط العائلية ذات دلالة، والملاحظات على زيادة الزّواجات الثانية، وحتى الخيانات الزّوجية من طرفي العلاقة الزّوجية نتيجة الإحباط المتتالي، وغياب الحوار المتبادل بإلقاء كل طرف على الطّرف الآخر المسؤولية، وتجريد نفسه من المسؤوليات والانشغال بنزوات مؤقتة، وإعطاء الاهتمام لعلاقات عابرة متجاهلاً واجباته المتوخاة منه، أو البحث عن التّعامل مع عائلته بواقعية وتفكير جماعي، ليسهموا جميعاً ببعض الحلول والأفكار بالهموم العائلية الطارئة..

من الآثار السّلبية للطلاق أنه يُخلّف لدى الزوجين معاناة على الصّعيدين النّفسي والاجتماعي، فهو يبدل نظرة المجتمع إليهما، فقد يخسران الكثير من الأصدقاء، كما يمكن أن يقعا في الوحدة الطّوعية، إضافة إلى شعورهما بالفشل والسّقوط في دوام لوم الذات، كما قد يعانيان من الشّك والرّيبة في سلوكهما..

أما الضّرر الأكبر فيقع على النمو النفسي والاجتماعي للأولاد مما يؤدي إلى التّراجع في المدرسة، والى السّلوك العدائي،كما يمكن أن يؤدي مستقبلًا إلى انحراف الأولاد وجنوحهم. ومما لابد من قوله أن الوقاية دوماً خير من العلاج، فمن الملاحظات التي قد تُسهم في تخفيف تصعيد التّوتر العائلي، وتفادي التفكك والانفصال بين الشريكين، تبرز الأهمية القصوى للنّدوات والحلقات التّوعوية، ودور الإعلام في إعادة التّأهيل النّفسي والمجتمعي لآثار الحرب على الاستقرار العاطفي ..

كما لابد من تّأكيد ضرورة اعتماد الصّدق والشّفافية في التّعامل بين الشّريكين باحترام أحدهما الآخر، وعدم استخدام الكلمات الجارحة أو العنف الجسدي أثناء الخلاف على موضوع ما، بحيث تستبعد الحرب عن أجواء الأسرة،لأن سوء المعاملة يؤدي إلى النّفور ويؤجج المشاعر السّلبية، مما يؤدي إلى نتائج متردية للعلاقة الحميمة.

العدد 1105 - 01/5/2024