الزواج المدني.. مواقف وآراء

 يهدف الزواج في كل المجتمعات الإنسانية لبناء أسرة ناجحة تكون النواة الحقيقية والنوعية لبناء المجتمع..

ومع تطور الحضارات البشرية تطور مفهوم الزواج ومعناه حتى وصل إلى الشكل المعروف به اليوم، الذي يقوم على أسس وشرائع دينية في بعض مراحله بالنسبة للغرب، بينما بقي عندنا مقيّداً أبداً بالشرائع الدينية البحتة التي تفرض على التابعين لها محاولة عدم الاقتران بآخر مختلف دينياً إلاّ وفق شروط بالنسبة للمسلمين عموماً، باعتبار الإسلام دين الدولة ودين رئيسها وأحد أهم مصادر التشريع لديها.

من هنا، كان اختيار الشريك المختلف دينياً أو حتى طائفياً بالنسبة لكل الأديان في مجتمعاتنا بحدّ ذاته مسألة تخضع للكثير من الأخذ والرد والرفض في غالب الأحيان، مما يترك الشباب المقبلين على هذا النوع من الزواج في حيرة وارتباك وتخبط ما بين الالتزام الأسري- الديني، وما بين الالتزام العاطفي مع الشريك. ومردّ هذه الحيرة والتخبط هو خشية الرفض الاجتماعي والديني المفروض على كل من يتجرأ على خرق المعتقدات الثابتة والأصيلة في الذهنية الدينية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بحكم فرض دين مختلف على الساعين لخرق ثوابتهم حين يُفرض الإسلام ديناً على رجل من دين آخر أراد الارتباط بفتاة مسلمة، وفي هذا منتهى إلغاء الآخر وسحقه وقتله نفسياً واجتماعياً، ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه إلى مختلف جوانب الحياة الشخصية والأسرية المستقبلية وتوابعها..

من هنا، كان لا بدّ من وجود حل يُنهي معاناة من يريد الحياة الحرّة بعيداً عن القيود والثوابت أثناء الإقدام على الزواج من دين أو طائفة مختلفة، حل يحمي حقوق جميع الأطراف دون المساس بثوابتهم وإنسانيتهم وكيانهم النفسي والعاطفي عبر ما يُسمى بالزواج المدني الخاضع لقوانين وضعية في ظل محاكم مختصة تحفظ هيبة الزواج والأسرة وحرمتهما.

غير أن هذا الزواج لاقى ويُلاقي الرفض والتعنّت لا من رجال الدين فقط، بل حتى من قبل العديد من الشرائح الواعية أو المثقفة، باعتباره إلغاء وهدراً للخصوصية المعتادة، إضافة إلى أنه برأي الكثيرين مخالف للوجدان الاجتماعي السائد بما يفرضه من شوائب قد تعلق بنفسية الأجيال القادمة الناتجة عن هذا الزواج وتفكيرها. بينما يراه الآخرون ضرورة حتمية في ظل مجتمع الحداثة والعلاقات الانفتاحية المطلوبة كي يرتقي المجتمع بنواته الأساسية- الأسرة.

هذا التباين والاختلاف في وجهات النظر، يتطلب الأخذ بعين الاعتبار الحقوق الأساسية للإنسان في اختيار الدين والشريك، وإيجاد حلول تنهض بالفرد والمجتمع على حدٍّ سواء.

العدد 1105 - 01/5/2024