حق اللجوء في القوانين والمعاهدات الدولية

تعتبر الهجرة ظاهرة عالمية، وهي فعل اضطراري يتمثل في الانتقال من مكان إلى مكان آخر بسبب إما عامل اقتصادي وإما الحروب.وهي من الظواهر السلبية للمجتمعات، لما تخلفه من آثار مدمرة تهدد بنية المجتمع وتغير ديموغرافيته بما ينعكس سلباً على المؤسسات وعلى الأفراد.

 وهذه الخاصية المتمثلة في حق التنقل، تمّ الاعتراف بها ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأيضاً نص عليها الدستور السوري لعام 2012 في المادة (38) منه: (3ـ لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلاّ إذا مُنع من ذلك بقرار من القضاء المختص أو من النيابة العامة أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة).

وسورية من ضمن الدول التي كانت تعاني من هجرة الشباب بسبب الوضع الاقتصادي، إلى أن دخل الإرهاب المدعوم من الغرب إلى نسيجها الاجتماعي وما سببه من جرائم بحق الشعب والتراث الإنساني، فكان العدد الأكبر من الضحايا هم من المدنيين العزل نساء وأطفال وعجزة، وهنا كان لابد من الإضاءة على القواعد والمفاهيم التي تميز بين الفئات المتقاتلة والفئات غير المشاركة أي المدنيين. فالقانون الدولي لحقوق الإنسان يقدس حقوق الأفراد وحرياتهم، ويقدم لهم حماية قانونية لمنع المساس بهم، فكانت اتفاقية جنيف عام 1949 والبروتوكولان الإضافيان يشكلون جميعاً الإطار القانوني لحماية المدنيين في النزاعات المسلحة الدولية، ويعد حق اللجوء حق من حقوق الإنسان، لأن اللاجئ بحاجة إلى اهتمام ورعاية خاصة حيث انتهكت حقوقه الإنسانية. وقد توصل المجتمع الدولي عام 1951 إلى وضع اتفاقية خاصة تعتبر الأكثر تطبيقاً واعترافاً فيما يخص حقوق اللاجئين، وقد عرّفت الاتفاقية اللاجئ وحرصت على تأمين حياة لائقة وآمنة له خلال فترة لجوئه.

وتعترف هذه الاتفاقية بالنطاق الدولي لأزمات اللاجئين وضرورة توفير تعاون دولي بما في ذلك اقتسام الأعباء بين الدول من أجل معالجة المشكلة، فالحرب التي طالت المدن والأحياء والقرى وأماكن السكن المكتظة أجبرت المدنيين على مغادرة منازلهم وترك ممتلكاتهم بحثاً عن ملجأ آمن، ما جعل اللاجئ السوري يتكبد أضراراً ناتجة عن قصور المعالجة الجدية والشاملة والحقوقية لهذه الازمة على أكثر من صعيد، فهو يتعذّر عليه التمتع بالحماية القانونية التي يستفيد منها اللاجئون، وذلك لعجز المجتمع الدولي أو امتناعه عن توفيرها لهم.

 ومع تفاقم الوضع وازدياد حالات هجرة السوريين التي تعتبر من أكبر الكوارث التي يشهدها العالم، ومع غياب الأمل في حل نهائي، ظهرت أزمة اللجوء إلى الدول المجاورة وإلى أوربا التي تتغنى بحقوق الإنسان وبالديمقراطية، ولكن الواقع الحالي لهذه الدول يعكس حقائق ليست بعيدة عن سياسية الاستعمار التي عانت منها شعوب المنطقة، فقد تعاملوا مع اللاجئين بقسوة وبوحشية بعيداً عن كل الاعتبارات الإنسانية التي أدت إلى هجرته، فلم تعطِ أي دولة من الدول السوريين الذين تستضيفهم الاعتبار القانوني (أي صفة لاجئ) والاكتفاء بصفة نازح أو ضيف، خوفاً من الالتزامات القانونية والترتيبات الخاصة بحقوق اللاجئين التي تحكمها قوانين الحروب وأعراف السياسة الدولية، وبذلك فهي تتنصل من توفير الحقوق الأساسية التي نصت عليها القوانين والتشريعات الدولية، بالرغم من تصديق بعض الدول المضيفة الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة .

فالنازحون لم تتطرق لهم القرارات والاتفاقيات الدولية على غرار اللاجئ، وبعد مرور خمس سنوات عجاف على السوريين، وبما أن الحل السياسي مازال في عالم الغيب، أصبح التهجير السلاح الأكثر خطورة من حيث استهداف مستقبل سورية، مما حدا بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فتح قنوات قانونية للهجرة، وتشجيع الدول الأعضاء على توسيع هذه السبل القانونية من خلال إعادة التوطين وجمع الشمل وغيرها، وهذا ما أحدث انقسامات بين تلك الدول ما بين مؤيد وداعم للنازحين، وذلك باعتبارهم دماء جديدة في مجتمع يعاني الشيخوخة، وبين دول رافضة لهم ومناهضة لهجرة المسلمين إليها وما تسببه هذه الهجرة من خلق توترات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. ومما يزيد الأمر تعقيداً ظاهرة التمييز العلني والمبطن ضد المهاجرين وأبنائهم، فالغرب الذي تحركه مصالحه قبل أي شيء بحاجة للاستجابة لأزمة الهجرة بما يرقى إلى القيم الإنسانية التي يتمسك بها، دون الإعلان عن النوايا الخبيثة التي تجعل من ملف اللاجئين سلعة للمتاجرة تقف وراءها غايات خطيرة كامنة لم يبدأ الحديث عنها حتى الآن، فقط عليهم حالياً التباكي على الأحوال غير الإنسانية والسيئة للاجئين، بالتوازي مع طمس الهوية الحقيقية والتاريخية واللغة والثقافة لتفريغ السوري من مكوناته الوطنية والإنسانية، من أجل استكمال القضاء على سورية وشعبها لتفريغها من كوادرها الكفوءة المتميزة من شريحة الشباب التي يعوّل عليهم في بناء سورية وإعادة إعمارها.

إن إيقاف الحرب أقل كلفة من استيعاب ملايين اللاجئين والتعامل مع أساس المشكلة التي تسببت في التهجير وجعل سورية سوق السلاح للغرب ومقصداً للإرهابيين من مختلف أنحاء العالم. ولكن أيضاً على الحكومة السورية إيجاد برامج تنموية تعزز الاستقرار والأمن والأمان في سورية لتوفير المناخ الذي يعزز أيضاً الاستقرار الاجتماعي والتنموي للشباب السوري، والمحافظة على الكوادر البشرية التي ساهمت في بناء سورية على مر العقود، ومراعاة البعد الإنساني والاجتماعي، فالغرب ليس بطلاً للسلام ولا منقذاً للإنسانية

العدد 1105 - 01/5/2024