الشباب والمؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد

 يأتي المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد في لحظة مفصلية من الحياة السورية، يتصدى فيها الشعب السوري، حفاظاً على وحدة البلاد واستقلالها، لحرب دولية فرضت عليه. هذه الحرب التي لم تمر على أي بلد من قبل، فقد تكالب على بلادنا عشرات الدول يريدون إخضاعها والسيطرة عليها. وشذاذ الآفاق أتوا من كل حدب وصوب لتكون أرض الجهاد الأولى وأرض السبايا والحور العين.

إن الخاسر الوحيد في هذه الحرب كان الشعب السوري بشكل عام وفئة الشباب بشكل خاص، هذا الشباب الذي أثبت دائماً وطنيته الخالصة في جميع الأزمات التي مرت بها بلادنا سورية رغم معاناته قبل الأزمة من صعوبات كثيرة، منها البطالة والعمل في ظل قانون عمل لا يحميه في القطاع الخاص، وهجرة الشباب من الريف إلى المدن لعدم اهتمام الحكومة الاهتمام اللازم بالأرياف وانتشار الفساد في الكثير من أجهزة الدولة، وغياب الديمقراطية السليمة وعدم قدرته على ممارسة حقوقه السياسية والتعبير عن آرائه وتطلعاته.

رغم خروج الاحتجاجات في بداية الأزمة رافعة شعارات ومطالب سياسية واقتصادية مشروعة إلا أنها سرعان ما انحرفت عن مسارها نتيجة ركوب القوى الظلامية والقوى العميلة لأمريكا وإسرائيل موجة هذه الاحتجاجات. إضافة إلى بعض الممارسات الأمنية الخاطئة أحياناً والاعتقالات العشوائية أحياناً أخرى.

وبدأ التسليح يتغلغل أكثر فأكثر، فبدأت العمليات الإرهابية المسلحة تستهدف الجيش السوري الوطني والعلماء والسياسيين والأطباء والمخترعين وخاصة الشباب منهم منذ بداية الأحداث، كما استهدفت مؤسسات الدولة والأملاك العامة والخاصة والبنى التحتية.

وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن الشباب السوري وبوعيه تبين له أن ما يجري على أرضه تجاوز مسألة المطالب السياسية والاقتصادية المشروعة التي بدأ حراكه بها، كما أدرك أن هناك قوى غاشمة ومتآمرة تريد أن تحول هذا الحراك لمصلحتها بما يخدم القوى الإمبريالية العالمية المتوحشة، فانفض بمجمله عن هذا الحراك ليقف إلى جانب شعبه وجيشه للتصدي لهذه القوى الإرهابية الغاشمة والمتآمرة.

ويرى الشباب الوطني أن مهمته الأساسية في الظرف الراهن ليست فقط التصدي للإرهاب ومن يقف وراءه، وإنما أيضاً أن يعمل من خلال صلاته المتنوعة كي يشد الشباب الذي انحرف أو ضلّ أو هاجر للعودة إلى حضن الوطن والمساهمة في رسم مستقبله. كما يؤمن بالعمل مع جميع القوى الوطنية للقضاء على قوى الفساد الداخلية التي تفتك بالمجتمع السوري وتقف عائقاً أمام تطوره وتقدمه بما لا يقل خطراً عن قوى الإرهاب الخارجية.

إن مايريده الشباب بشكل عام هو الحياة الآمنة الكريمة، العدالة الاجتماعية، فرص عمل فيها عدل وإنصاف قائمة على الكفاءات لا على المحسوبيات. وهذا يحتاج من الحزب التصدي للسياسات الاقتصادية المتبعة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة التي أفقرت الناس وأبعدت الدولة عن دورها الرعائي والقيادي للسوق وجعلت غالبية الشعب فريسة لاقتصاد السوق الحر الجائر وليس الاجتماعي والتي رمت بآلاف الشباب على قارعة الطريق.

إن الشباب بحاجة إلى التعليم المتطور والمناهج الحديثة التي تحفز العقل وتنشطه لا القائمة على التلقين، لأن التلقين هو سحق للعقل، وأيضاً إلغاء المواد التعليمية التي تخلق حالة من التعصب وإبدالها بمناهج ثقافية تقوم على احترام الآخر.

إن الشباب يريد مناخاً سياسياً وقانونياً وإعلامياً حراً يعبر فيه عن حاله وعن اندفاعاته وتطلعاته وآماله وعن طريق الأحزاب والمنظمات المدنية التقدمية والشعبية والنقابية التي تلبي وتعبر عن حاجاته وعنفوانه، بما يضمن وجود شباب تقدمي واعٍ لحقوقه ومسؤولياته بحيث لا يقع فريسة سهلة لقوى الرجعية والظلام.

الأمر الذي اتضح جلياً أن غياب العمل الحزبي والفكري وتهميش الشباب سياسياً وإبعادهم عن دائرة القرار والمشاركة في بناء البلد وهم الشريحة الأكبر في مجتمعنا السوري حوّل قسماً منهم إما إلى الميوعة واللامبالاة، أو الوقوع تحت سيطرة الأيديولوجيات الدينية التي كانت تسرح وتمرح دون رقيب قبل الأزمة، في حين كان يضيق سياسياً على الأحزاب الوطنية التقدمية والعلمانية حتى من كان منها في صفوف الجبهة الوطنية التقدمية.

إن من مهام حزبنا الأساسية وهو على عتبة المؤتمر الثاني عشر هو الدفاع عن حقوق الشباب ومطالبهم والضغط بأقصى ما يستطيع لتحقيقها. وأيضاً النضال من أجل تثبيت مبدأ العلمانية التي أثبتت التجارب أن تحقيقها على أكمل وجه هو الذي ينقذ المجتمع ويقويه في وجه الصراعات والتحزبات الطائفية والإثنية والعنصرية، وهي التي تعطي الشباب الأمل لتحقيق أهدافهم المنشودة في الحرية والديمقراطية.

إن الشباب السوري تواق لاسترجاع كامل أراضيه المحتلة من قبل الصهاينة والمحتلة من قبل الاحتلال العثماني سابقاً والتركي حالياً، من الجولان جنوباً ولواء إسكندرون شمالاً، وعلى القوى الوطنية والديمقراطية ومنها حزبنا الضغط لفتح ملف استعادة اللواء السليب والمنسي لعشرات السنين. وهذا الشباب يجند نفسه اليوم مع الجيش العربي السوري لتنظيف باقي الجغرافيا السورية من رجس التكفيريين والظلاميين ليعيد بناء ما خربته الحرب. إن الشباب السوري بشكل عام هو وطني بامتياز ولولا همة هذا الشباب لتفتت البلد وضاعت، وهو قادر على إعادتها كما كانت ويطورها إذا ما أتيحت له الإمكانات اللازمة لذلك.

وأخيراً نقول إن واجبنا وواجب جميع القوى والشخصيات التقدمية والوطنية هو بناء الإنسان السوري من جديد والعمل على إلغاء جميع المفاهيم الخاطئة التي تسللت إلى المجتمع السوري نتيجة هذه الأزمة الحادة التي يعيشها، كي يسترجع المجتمع تماسكه ولحمته من جديد.

العدد 1105 - 01/5/2024