اتحاد الشباب وتربية الأجيال

 في إحدى جلسات البوح والفضفضة التي كثيراً ما أقوم بها مع إحدى صديقاتي، التي هي أم، أبناؤها شبان وفتيات في ريعان الصبا، دفعتني علاقتهم الجميلة معها لسؤالها عن كيفية تربيتها لهم وعن الطريقة التي اتبعتها حتى وصلت بهم إلى علاقة معهم حميمة، صادقة، وراقية، فكان قولها:

اعتمدت معهم الحوار والثقة والحب، ولكن لا يمكنني أن أتنكر لمن كان لي السند الأكبر في تربيتي لهم…حلقت في مخيلتي لأخمن من ذاك الداعم، لكني حينما لم أجد شخصاً مناسباً حسب معرفتي، بادرتها بالسؤال، ومن يكون؟

فقالت بذاك الصوت الحنون: إنه اتحاد الشباب الديمقراطي… فبحكم صلتي بالحزب الشيوعي، وبحكم مبادئه وقيمه، انتسب أبنائي إلى اتحاد الشباب، رديف الحزب بين أوساط الشباب، وكانت أعمارهم وقتئذٍ ما بين المراهقة والشباب، بدءاً من الأصغر حتى الأكبر فيهم…

انتبهت إلى الدهشة البادية على محياي، فأوضحت: بحكم المبادئ التي يقوم عليها الحزب الشيوعي، تلك المبادئ التي تتمسك بالصدق والأمانة والعلم والثقافة والوعي، لبناء جيلٍ قادرٍ على التغيير نحو الأفضل، استطاع رفاقهم الأكبر منهم أن يكونوا الداعم لي في تربيتهم، ذلك أني حينما كنت أقف أمام موقفٍ لا أعرف كيف أتعامل معه، كنت ألجأ إليهم، فإما أن يشرحوا لي كيفية التعامل، وإما أن يلعبوا هم الدور الوسيط بيننا، وبالتالي كنا نصل إلى بر الأمان، أي إلى النتيجة المقنعة التي يتم الاتفاق عليها فيما بيننا..

نعم، فالتربية لا تقتصر على المنزل وحده أو المدرسة وحدها، إنما يلعب الوسط الاجتماعي المحيط بالشخص دوراً هاماً للغاية، ففي الانتساب إلى الاتحاد أدرك الأولاد معنى الالتزام، وتحمّل المسؤولية، تعلّموا الفرق بين الناجح والفاشل، تعلموا معنى الحياة وبدؤوا يسبرون أغوارها، اكتسبوا مهارة العطاء، وطبقوا مبدأ المساواة بين الجنسين، فهموا أن التعامل الراقي يقوم على احترام الآخر بكل ما فيه، وأن الناس سواسية لا فرق بينهم في الشكل أو اللون أو الدين أو العرق، إنما ما يميزهم عن بعضهم هو العمل والجد والمثابرة…

وأن الغنى هو غنى النفس ورقي الشخصية وليس الغنى مالاً، وهذه النقطة تحديداً ساعدتني كثيراً في لحظات الضيق المادي التي كنا نمر بها، فكانت الفتاة كما الشاب يعملان بالمقدار نفسه والهدف هو هذه الأسرة، وتحسين وضعها المعاشي.

ولا أنسى حفلات التخرج التي كان الاتحاد يقيمها كل عام، للاحتفال بخريجي الجامعات الجدد، أو حملة الشهادة الثانوية أو الإعدادية، فعندما حضرنا إحداها وكانت ابنتي في البكالوريا، وجدتها تحمست كثيراً للدراسة والتفوق، وكان لها ما كان، فقد وصلت إلى الفرع الذي لطالما حلمت به، ذلك أن الرفاق ساعدوها في دراسة المواد التي كانت تجد فيها صعوبةً، وشجعوها كثيراً، وكلما وجدوها بدأت تشعر بالملل أو الإحباط، شأنها شأن جميع طلاب البكالوريا، كانوا يجدون الطريقة الأفضل لإعادة الطموح لداخلها..

نعم إنه اتحاد الشباب الديمقراطي،الذي كرس مبدأ الإنسانية في أذهان الشباب، والذي غرس في أعماقنا حب الوطن حد الموت…

إنه داعمي ومساعدي في المضي قدماً بهذه الحياة مهما كانت صعبةً أو قاسية..

العدد 1105 - 01/5/2024