هل للحوار قانون ينظمه؟

 الأسرة هي الانطلاقة الأولى والنواة الأساسية التي تعزز ثقة الفرد للتواصل مع الآخرين والتعامل معهم من خلال تبادل الآراء واحترام وجهات النظر داخل الأسرة أولاً، ثم مع مجتمعه، من خلال الكلمة التي هي أفضل أدوات الإقناع، وهي نقطة البداية لتفاهم الناس وتقبّلهم للبعض الآخر، ولما لها اثر بين أفراد المجتمع، وهي التي تؤدي إلى إيجاد الحوار بينهم. فالحوار من أكثر المفاهيم رقياً للتعامل بين الأفراد وأصبح مهارة حياتية في العلاقات الإنسانية كافة، ابتداء من الأسرة وانتهاء بمؤسسات الدولة والمجتمع.

أصبح الحوار من الضروريات لمواكبة تقلبات العصر والمتغيرات المتسارعة نتيجة الاكتشافات العلمية والانفجارات المعرفية على جميع الصعد، وهذا ما انعكس على الواقع الحضاري والثقافي للأمم والشعوب باستخدام أساليب حوار بناء لإشباع حاجة الإنسان للاندماج في الجماعة والتواصل مع الآخرين، بتعزيز روابط التفاهم والتقارب والتعايش بين الأمم والشعوب، فمنهج الحوار ينطلق من حقيقة الاختلاف بين البشر وما يستلزمه من حرية.

ولهذا بادر المشرع السوري بوضع ترسانة قانونية هامة لبناء المجتمع السوري والارتقاء به لترسيخ دولة الحق والقانون وتثبيت دعائمها ودولة المؤسسات واحترام حقوق الإنسان وعدم التعسف في استعمال الحق.

وقد عزز الدستور الجديد الضمانات القانونية لحماية العديد من الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين كافة، فقد نصت المادة 8 من الدستور السوري لعام 2012 على:

(1-   يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية… إلخ)، وأيضاً نصت المادة 9 منه على: (يكفل الدستور حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكونتاته وتعدد روافده باعتباره تراثا وطنيا يعزز الوحدة الوطنية في إطار وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية )،

(2-   وفي المادة 42 منه نصت على (1- حرية الاعتقاد مصونة وفقاً للقانون -2- لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة )، وأيضاً نصت المادة 43 منه على: (تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام واستقلاليتها وفقاً للقانون ).

وبهذا نجد أن المشرع السوري تبنى الحوار في الدستور وذلك باعتبار التنوع طبيعة تكوين المجتمع، لأن أي مجتمع إنساني يتألف من أفراد ومجموعات مختلفة المشارب والأذواق والتفكير، لذلك فإن الحوار هو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى الوفاق والتفاهم والوحدة طريقاً لحل القضايا والمشاكل المطروحة، وإيجاد الحلول لها قبل تفاقم المشكلة التي تؤدي إلى حدوث إضرابات في بعض الأحيان، وهذا ما يستوجب ركائز حقيقية للحوار من تطوير تشريعات وقوانين جديدة وإحداث هيئات فاعلة متعلقة بتنظيم الحوار وتحديد أدواته وآلياته وكيفية إدارته.

فالأزمة التي تمر بها سورية والأمة العربية تؤكد وترسخ مبدأ الحوار وتفعيله في حياتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية بشكل عام، وإعادة ترتيب العلاقات على أساس الجدال الحواري القائم على المعرفة وإظهار الحق، ولكسر الجمود في العلاقات الإنسانية التي أدت إلى نشوب الأزمة التي تهدد استقرار المجتمع، بدل التصلب في المواقف والآراء الذي قد يزيد في حدة النزاعات والخلافات والصراعات التي تؤدي إلى التردي والفشل في مختلف الحوارات التي تجري في واقعنا.

فمن أجل انتظام مسيرة الإنسانية واستتباب الأمن والسلام والحرية والعدالة، وتعزيز التواصل الفكري والثقافي والاقتصادي التي تتطلبها الحياة في المجتمع المعاصر والحفاظ على الحقوق والحريات وعدم النيل منها، لابد من زرع ثقافة الحوار والاستماع ونشرها عبر وسائل الإعلام والمؤسسات الوطنية وأنظمة التربية والتعليم، والالتزام بآداب الحوار، وذلك كمنهج للإقلاع الحضاري من أجل مستقبل أفضل متجاوز الحروب والأزمات، ولأن القضاء على الإرهاب يتمثل بالقضاء على الجهل وانتشار التعليم والعدالة وخلق مجتمع يتقن لغة الحوار والفهم، بدلاً من مشاهد العنف والفزع التي لا تبقي لحياة الإنسان معنى، وللوصول إلى السلام القائم على العدالة والإنصاف والحوار والمنطق.

العدد 1105 - 01/5/2024