خيوط تترابط.. فتتآلف القلوب

 مهارات الحياة مهما اختلفت، من إقناع وتفاوض وحل نزاع وما شابه، تحتلها نواة جوهرية هي سرُّ قوتها، ألا وهي التواصل، التواصل الذي يبني ثقة وتفاعلاً، وبه تتقارب الأفكار مهما اختلفت ثقافات الشعوب وقناعاتها. فالتواصل لعبة رائعة إن عرف الإنسان أن يلعبها، ففيه يقترب الشاب من الفتاة أو العكس، فيلفت أحدهما انتباه الآخر بضحكةٍ أو فكرةٍ أو تفهّمٍ.. وبالتواصل المحترف يستطيع مندوب المبيعات تحقيق صفقاتٍ كبيرة، وبه يستطيع الأبوان التفاهم مع أولادهما والوصول معهم إلى حلولٍ تربط حبل الفوارق بين الأجيال، وللتواصل أهمية بالغة لدى بعض الأطباء المختصين والمرشدين النفسيين والمستشارين المهنيين.

إنه التواصل، الحرفة التي بإتقانها تستطيع ربح جائزة القلوب والعقول التي ابتعد بعضها عن بعض للأسف في هذه الفترة، فلم يبقَ هناك من روابط بينها، ولا جُهدَ من أحدهم لإيجاد حلٍّ وسط يجعل منها نقطة ارتكازٍ ليبدأ بانطلاق نحو حلٍّ من نوع آخر.

تجد الكثير من الأصدقاء والأفراد حتى داخل العائلة الواحدة يعيشون في حالة من التناقض، كثُرت خلافاتهم، وغضبهم كَبُر، ومشاكلهم تراكمت، والمسافات بينهم تقطعت سبلها، كل ذلك بسبب المجادلات بين موالٍ ومعادٍ، بين وفيٍّ وغدّار، بين مع وضد، ولا أحد يقبل فكرة من آخر، ولا يحاول أن يتفهمه.

كلاهما (وهما على حق) يحلم بوطنٍ في خياله يساعده على خلق مستقبلٍ من نوع مختلف، منهم من يرى المستقبل بالعلم ومنه من يراه بالعمل، أو بالدين، أو بالقضاء على الفساد، أو بتغيير الدستور والقوانين، أو بمشاركة الناس كلهم وعلى مختلف أطيافهم بسياسة البلاد وإدارة شؤونها… مع العلم أنه لو أنصتوا لبعضهم قليلاً وجمعوا زواياهم ورؤاهم لوجدوا أن باجتماع كلامهم كله يكمن مستقبل الوطن، فوطننا سورية يحتاج إلى كل تلك المحاور، ودونها لا يستمر..

لغة التخوين والكراهية والحرب لن تفيد الشعب أبداً ولن تؤهله للوصول إلى جوهر السلام، فالحل فقط يكمن بتواصل الأطراف فيما بينها، وتحاورها وتقديم تنازلات عن بعض الأمور التي ربما تبنى لاحقاً مستوى آخر لبلادنا من تفاهم وتشاركية.

ولنتواصل مع الآخر ليس علينا أن نتكلم معه بلغتنا وطريقتنا، بل علينا أن نصل إليه عن طريق أفكاره وأسلوبه في الوصول إلى منفعته، كل ذلك عن طريق التواصل، على لعبة فكرتي بأسلوبك، ولا نعني بهذا أسلوب الغضب والصراخ والشتائم، بل أسلوب التفكير والوصول إلى لب المصلحة من بابٍ جديد وطريقٍ يحقق الهدف والرسالة.

التواصل هو حالة من الفهم المتبادل بين نظامين أو كيانين. يكون أحد هذه الأنظمة مرسلاً وقتاً ما، ومن ثم يكون الآخر مستقبلاً، وفي وقت آخر يتبادل كلا الطرفين المواقع من حيث الإرسال والاستقبال.

التواصل عملية تبادل المعلومات والآراء والأفكار والمشاعر والمواقف والاتجاهات بين الأفراد والمجموعات سواء داخل المجتمع الواحد أو خارجه.

كل تلك تعاريف للتواصل وعلينا أن نفهم عمقها لنتعلم تقنياتها وأسلوبها وزواياها فنتحرك نحو رسالتنا التي نريد إيصالها إلى الآخر، ونرسمها بكلمات وأسلوب يُسهّل عملية وصولها مع جوهر مضمونها إلى عقل الآخر وتفكيره. فلو كانت الكلمات تحمل كل الخير وكان أسلوبها سيئاً أو من دون نظرة جيدة وصوت لطيف ومسموع ورسم بالكلمات دقيق فلن تصل إلا تجريحاً ومحملةً بالذنب. وأهم نقطة في التواصل هي أن نعلم أنه ليس من الضروري في نهاية الحوار أن يقتنع الآخر تماماً بفكرتنا، بل ربما تتقارب الأفكار لنصل إلى فكرةٍ جديدة وحلٍّ يرضي جميع الأطرف.

سورية تحتاج إلى تواصل فعال وحقيقي، وكل سوري يسعى لإيصالها إلى مستوى من الأمان والتفاهم والاستقرار.. تحتاج هي إلى حوارٍ من نوعٍ مختلف لا يحوي أفكاراً مسبقة، ولا سيناريوهات متكررة. إنه وطن وليس صفقة يا أولي الألباب!

العدد 1105 - 01/5/2024