سورية.. الإمبريالية مرتبكة

 في الوقت الذي تتحول فيه استراتيجية واشنطن للتدمير ويزداد أتباعها في أنقرة والرياض ضلالاً بشكل خطير، لا تفوّت موسكو فرصة لتذكير واشنطن بمسؤوليتها في إعادة كلابها الهجومية إلى الرسن، وإن جرى التعبير عن ذلك بشكل مختلف قليلاً باللغة الدبلوماسية.

ومن هنا على سبيل المثال يذكر البيان الموزون لوزارة الخارجية الروسية أنه لدى دراسة الوضع في سورية، شدد وزير الخارجية الروسي ووزير الخارجية الأمريكي على الحاجة إلى المزيد من تكثيف التنسيق لدعم الهدنة هناك.. وعندما مضى رجلا الدولة إلى التشديد على الالتزام بزيادة المساعي لمحاربة الإرهاب في سورية، ووافقا على بذل أقصى الجهد لمنع أقنية إمداد الإرهابيين من الخارج، كان واضحاً أيّ رجلي الدولة صاحب الفكرة، وأيهما أُرغم كارهاً على التملق.

الاحترام الذي تحظى به روسيا حالياً على المسرح العالمي اكتسبته بدرجة غير قليلة من دفاعها الثابت والمبدئي عن سيادة سورية واستقلالها، الدفاع المتجذر في القانون الدولي نفسه الذي يعلن الغرب نفسه أنه الحكم الوحيد، والذي كشفت الإمبريالية مرة بعد مرة أنها المنتهك الأكبر له.

هاجم إرهابيو (جبهة النصرة) منذ 1 نيسان، بدعم من جماعات إرهابية متنوعة، وافقت نظرياً على هدنة 27 آذار (التي لا تشمل داعش والنصرة)- مناطق قرب حلب والحدود التركية، واستولوا على بلدة تل العيس جنوب حلب وقرى في جبل الأكراد في منطقة اللاذقية.. وسهلت عليهم ذلك الإمدادات من رعاة (المعارضة) تركيا والسعودية والولايات المتحدة بالأسلحة الجديدة للإرهابيين (المعتدلين) المرتبطين بالقاعدة، ونتيجة يأسهم بسبب هزائم التكفيريين انتهك هؤلاء الرعاة (الخطر)الموجود منذ وقت طويل، بإدخال قذائف محمولة مضادة للطائرات (مانباد) إلى ساحة المعركة.

أرسل إرهابيون عديدون من (لواء حمزة) المدعوم من الولايات المتحدة وتركيا صوراً تعرض متباهية ألعابهم الجديدة، تزعم الولايات المتحدة أن هؤلاء الإرهابيين يُفترض أن يقاتلوا داعش فقط، ولكن داعش لا تملك طائرات، وهذه الأسلحة مخصصة بوضوح للاستخدام ضد الحكومة السورية وأنصارها.

أسقط (أحرار الشام) وهي جماعة سلفية مقربة من (القاعدة) على الفور طائرة سو 22 سورية بوساطة (مانباد) قرب تل العيس التي  احتلها الإرهابيون، ولن يمر وقت طويل قبل أن يستخدم هؤلاء المجانين الإرهابيون هذه الأسلحة ضد طائرات خطية مدنية.

في الوقت الذي تجابه فيه (جبهة النصرة) والعصابات الإرهابية الأخرى هزيمة في المنطقة بفضل الجهود البطولية للجيش العربي السوري مدعوماً بالقوة الجوية الروسية، تسرع الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها الآن لـ(المشاركة) في (المعركة)، وبذلك يستطيعون: (آ) ادعاء الفضل في تدمير داعش و(ب) التسلل إلى بلقنة تسوية ما بعد الحرب بهدف إضعاف الوحدة السورية.. ولكن هذه الخطط سارت بشكل سيئ مع تلاعب واشنطن بالمطامح الكردية ما يتناقض مع خطط أردوغان للبلقنة.

التقدم نحو الرقة

عندما حرر الجيش العربي السوري في آذار الموقع التراثي القديم في تدمر من داعش، كان الغرب أقل من متحمس خشية أن يعقب ذلك تقدم الحكومة نحو مدينة الرقة التي عُدّت منذ وقت طويل معقلاً تكفيرياً رئيساً.

الجيش العربي السوري يفعل الآن ذلك تماماً، وذُكر أنه اقترب إلى مسافة 65 كيلومتراً جنوب غربي المدينة في الأسبوع الأول من حزيران. هذا التطور الذي يُفرح بالتأكيد كل شخص يفكر بشكل جدي بتدمير داعش، استُقبل بالشك والامتعاض في بعض الأوساط.

ذكرت صحيفة (فايننشال تايمز) أن (بعض المسؤولين الغربيين حذروا من أن الاندفاع الناجح للحكومة والروس نحو الرقة قد يكون له تأثير مهم على الحرب الأوسع في سورية، ويسمح للحكومة السورية بإظهار أن قواتها هي الوحيدة القادرة على إلحاق الهزيمة بداعش. ويقول هؤلاء المسؤولون إن هذا قد يضر أيضاً بعملية السلام التي تتقدم بصعوبة، ويمارس ضغطاً قوياً على البلدان الغربية كي تقبل سلطة حكومة دمشق. وقال كريستوف كوزاك، الباحث في معهد دراسة الحرب في واشنطن، إن الحكومة والروس يريدون الولوج إلى المحادثات (حول مستقبل الرقة)، يريدون جذب الولايات المتحدة إلى شكل من التنسيق مع قواتهم). (فايننشال تايمز) في 7 حزيران 2016.

وهكذا، عندما تدور معركة الحياة والموت من أجل تحرير الرقة من وحشية (داعش) فإن الهم الأكبر للإمبريالية هو ألا يكون هناك تنسيق مع قوات الحكومة نفسها التي وضعت جهودها الأسس للتقدم الحالي! ليس مصادفة أن بعض الجنود الـ300 من القوات الخاصة الأمريكية اختاروا هذه اللحظة لالتقاط صور لهم مع قوات كردية و(معتدلة)، إلى الشمال من الرقة، لدعم زعم (البنتاغون) بنصر أسهمت الولايات المتحدة بالقليل فيه (والذي ينبغي بعد الفوز به). (نيويورك تايمز في 26 أيار 2016).

النصر للجيش العربي السوري.

عن مجلة (لالكار) البريطانية

العدد 1105 - 01/5/2024