العنف الاجتماعي وامتداداته الجندرية

 إن تزايد مستويات العنف في أيّ مجتمع من المجتمعات ينعكس على الفئات الأضعف وأغلبهم من النّساء والأطفال. إلاّ أن العنف ضدّ النّساء له وضعيّة خاصّة، ليس لأنّه لا غير مرتبط بأوضاع عنيفة فحسب، بل أوّلاً وقبل كل شيء لأنه مرتبط بسياقات اجتماعيّة وثقافيّة تبدو طبيعيّة وغير عنيفة. صحيح أنّه مع تطور المجتمعات وانتشار الوعى بحقوق النّساء، باتت الانتهاكات أكثر وضوحاً، إلا أنّ العنف ضد النّساء مازال شائعاً، فقد صاحب تطوّر المجتمعات ظهور أنماط جديدة من العنف صارت أكثر تنظيماً مثل الاتجار بالنّساء وغيره من أشكال العبوديّة المعاصرة..

إن العنف سلوك إيذائي قوامه إنكار الآخر بصفته قيمة مماثلة لـ(الأنا) أو لـ(النحن)، قيمة تستحق الحياة والاحترام، ومرتكزُهُ استبعاد الآخر عن حلبة التغالب إمّا بخفضه إلى تابع، أو بنفيه خارج السّاحة، أو بتصفيته معنويّاً وجسديّاً. ليكون مؤدى العنف الأساسي هو عنف اجتماعي يتجسّد بعدم الاعتراف بالآخر، من خلال رفضه أو تحويله إلى شيء.

ولما كان العنف ينطوي على علاقة سيطرة وهيمنة في إطار عملية تبعية الآخر أو نفيه، فهذا ينطبق على العلاقات الطبقية أو الإثنية أو الطائفية، مثلما ينطبق على العلاقة بين الرّجال والنّساء. ولكن غالباً ما يستخدم مصطلح (العنف المبني على الجندر) بالتناوب مع (العنف ضدّ المرأة). ويُبرز مصطلح (العنف المبني على الجندر) البعد الجندري لهذه الأنواع من الأفعال، وبكلمة أخرى العلاقة بين الوضع التّابع للإناث في المجتمع وضعفهنّ المتزايد في مواجهة العنف.

من المهم أن نلاحظ أنّ الرّجال والذّكور يمكن أن يكونوا ضحايا للعنف المبني على الجندر، لا سيما العنف الجنسي. وتنتهك أفعال العنف المبني على الجندر عدداً من حقوق الإنسان التي تحميها المواثيق والمعاهدات الدوليّة، والعديد من العنف المبني على الجندر إن لم تكن كلّها أفعالاً غير قانونيّة وجنائية في القوانين والسّياسات الوطنيّة..

فالعنف ضد المرأة ما هو إلاّ آليّة للمحافظة على سلطة الرّجل، فعندما تُخضعُ المرأة للعنف لتجاوزها القواعد الاجتماعية التي تحكم جنسانية الأنثى والأدوار العائلية، مثلاً، لا يكون العنف عنفاً فردياً فقط، وإنما يُعزز بوظائفه العقابيّة وتحكميّة القواعد السائدة للعلاقات بين الجنسين.

وللثقافة الخاصة بكل مجتمع دور مهم في تبرير العنف، بل وإخفائه، فالثقافة، تحديداً، هي السّاحة التي يدور فيها الصّراع والهيمنة وعمليات بناء شرعيّة السلطة الذكورية، بل إن الثقافة هي الساحة ذاتها التي تُشرّع العنف ضد النّساء. ومن المعروف أن ما يسمى بالعادات والتقاليد هي الأكثر بروزاً في علاقتها بأنماط معينة من العنف ضد النساء وبضمنها الختان أو تشويه الأعضاء التناسلية عند الفتيات، وجرائم الشّرف وزواج القاصرات، والقوانين التمييزية في الميراث وتعدد الزوجات.

كما أن الثقافات الحديثة  تنطوي على عناصر تنتقص من قدر المرأة، وإن بطرق أخرى مختلفة، كأن يجري التّعامل مع جسد المرأة بوصفه شيئاً في سوق السلع الرمزية، على حد تعبير (بيير بورديو).  إلاّ إن سياسات الجسد الجديدة التي تنطوي على قدرٍ عالٍ من التسليع والتنميط، هي أيضاً نوع من العنف على الرّغم من أنّه بمعايير الذكورة والأنوثة السّائدة قد يُعدُّ انتصاراً وخروجاً عن السائد.

العدد 1105 - 01/5/2024