العنف ظاهرة وسلوك يشوّه الإنسانية

اعتبرت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها أن القرن الـ20 من أكثر فترات الزمن عنفاً في تاريخ البشرية، فقد تجاوز عدد ضحايا الصراعات فيه191 مليون شخص. (ويدلّ مؤشر الإرهاب العالمي على أن حجم ضحايا الإرهاب تضاعف خمس مرات حتى الآن منذ أحداث 11 أيلول 2001) عدا ضحايا العنف الأسري بمختلف اتجاهاته نحو المرأة والطفل بشكل خاص، إضافة إلى عنف الشوارع الذي تفيد منظمة الصحة العالمية بأنه يبلغ مستويات غير مسبوقة.

وهنا يبرز السؤال الأكثر إلحاحاً عن أسباب هذا العنف في سلوك البشر، هل هو سلوك وثقافة مكتسبة، أم أنه بسبب عامل جيني واستعداد نفسي وبيولوجي لدى الشخص العنيف..؟

لقد انقسم الباحثون والعلماء إلى فريقين في تحديد أسباب العنف ودوافعه، فمنهم من وجد فيه سلوكاً مكتسباً سببه الحضارة الحديثة كجان جاك روسو، ومنهم من عزاه إلى الطبيعة البشرية الميّالة للعنف كتوماس هوبس. لا شكّ أن التربية الأسرية- الدينية، والبيئة الاجتماعية باتجاهاتها المختلفة، إضافة إلى الاضطرابات النفسية الناجمة عن الحقد والشعور بالدونية والرغبة الدفينة بالانتقام، جميعها تأثر تأثيراً هاماً وأساسياً في تكوين سمات الشخصية وسلوكها. فالبيئة الزاخرة بالفقر والبطالة والتسلط والكبت المترافق بالقهر والقمع السياسي أو الاجتماعي أو الديني هي أكبر منبّه للعنف وسيلة لحل المشكلات التي تعترض الشخص وتدفعه للتمرد وفرض آرائه ومتطلباته بالقوة، لشعوره بانعدام العدالة الاجتماعية. ومهما يكن السبب الكامن خلف السلوك العنيف، سواء للأشخاص أو الهيئات أو الدول، فإن العنف يبقى حالة بدائية تنمّ عن الافتقار إلى العقل والحكمة التي تميّز الإنسانية عن سواها من الكائنات الحيّة، وبالتالي هو حالة وسمة انفعالية تشوّه إنسانية الفرد والمجتمع على حدّ سواء.

العدد 1105 - 01/5/2024